كتاب الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء (اسم الجزء: 1)

بدأ الله خلق الأشياء، خلق التربة قبل السماء، فلما خلق السماء وقضاهن سبع سماوات، دحا الأرض، أى بسطها، وإنما دحاها من تحت الكعبة، فلذلك سميت مكة أم القرى.
وذكر ابن هشام أن الماء لم يصل الكعبة حين الطوفان، ولكنه قام حولها، وبقيت هى فى هواء إلى السماء، وأن نوحا قال لأهل السفينة، وهى تطوف بالبيت: إنكم فى حرم الله عز وجل وحول بيته، فأحرموا لله ولا يمس أحد امرأة. وجعل بينهم وبين النساء حاجزا، فتعدى حام، فدعا عليه نوح بأن يسود الله لون بنيه، فأجابه الله على وفق ما دعاه، واسود كوش بن حام وولده إلى يوم القيامة.
وقد قيل فى سبب دعوته غير هذا، فالله أعلم.
ويروى أنه لما نضب ماء الطوفان، بقى مكان البيت ربوة من مدرة، فحج إليه بعد ذلك هود وصالح ومن آمن معهما، وأن يعرب قال لهود عليه السلام: ألا تبنيه؟ قال: إنما يبنيه نبى كريم يأتى من بعدى، يتخذه الرحمن خليلا.
قال أبو الجهم، من حديث الواقدى «1» : حتى أراد الله بإبراهيم ما أراد، فولد له إسماعيل وهو ابن تسعين سنة، فكان بكر أبيه، فلما أراد الله عز وجل، أن يبوئ لإبراهيم مكان البيت وأعلامه، أوحى الله إليه يأمره بالمسير إلى بلده الحرام، فركب إبراهيم البراق، وحمل إسماعيل أمامه وهو ابن سنتين، وهاجر خلفه، ومعه جبريل يدله على موضع البيت ومعالم الحرم، فكان لا يمر بقرية إلا قال له إبراهيم: بهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول جبريل: لا. حتى قدم به مكة، وهى إذ ذاك عضاة وسلم وسمر، والعماليق يومئذ حول الحرم، وهم أول من نزل مكة ويكونون بعرفة، وكانت المياه يومئذ قليلة، وكان موضع البيت قد دثر وهو ربوة حمراء مدرة، وهو يشرف على ما حوله، فقال جبريل حين دخل من كداء «2» ، وهو الجبل الذى يطلعك على الحجون «3» والمقبرة: بهذا أمرت. قال إبراهيم: بهذا أمرت؟ قال: نعم.
__________
(1) انظر ما ذكره ابن كثير فى البداية (1/ 159) .
(2) كداء: بفتح أوله ممدود لا يصرف لأنه مؤنث، جبل بمكة، وهو عرفة وهى كلها موقف إلا عرنة فليست فى الحرم بينها وبين الحرم رمية حجر. انظر: الروض المعطار (490) ، معجم ما استعجم (4/ 1117، 1118) .
(3) الحجون: بفتح الحاء، موضع بمكة عند المحصب، وهو الجبل المشرف بحذاء المسجد الذى يلى شعب الجزارين إلى ما بين الحوضين اللذين فى حائط عوف، وقيل: الحجون مقبرة أهل مكة تجاه دار أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه. انظر: الروض المعطار (188) .

الصفحة 35