كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (اسم الجزء: 1)

بَابٌ إنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا وُجُوبَهَا كَفَرَ، أَوْ كَسَلًا قُتِلَ حَدًّا، وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ بِصَلَاةٍ فَقَطْ بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَابَ عَنْ الْجَنَائِزِ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَبْلَ بَابِ الْأَذَانِ، وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَالْجُمْهُورُ هُنَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَلَيْقُ (إنْ تَرَكَ) الْمُكَلَّفُ (الصَّلَاةَ) الْمَعْهُودَةَ شَرْعًا الصَّادِقَةَ بِإِحْدَى الْخَمْسِ (جَاحِدًا وُجُوبَهَا) بِأَنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ (كَفَرَ) بِالْجَحْدِ فَقَطْ، لَا بِهِ مَعَ التَّرْكِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَجْلِ التَّقْسِيمِ، لِأَنَّ الْجَحْدَ لَوْ انْفَرَدَ كَمَا صَلَّى جَاحِدًا لِلْوُجُوبِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْكُفْرِ لِإِنْكَارِهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْجَحْدِ كَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَيَكْفُرُ بِهِ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ جَارٍ فِي جُحُودِ كُلِّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُرْتَدِّ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
أَمَّا مَنْ أَنْكَرَهُ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا، ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا، بَلْ يُعَرَّفُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُرْتَدًّا (أَوْ) تَرَكَهَا (كَسَلًا) أَوْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا (قُتِلَ) بِالسَّيْفِ (حَدًّا) لَا كُفْرًا، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» (1) وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» (2) فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» (3) فَمَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِهَا جَحْدًا، أَوْ عَلَى التَّغْلِيظِ، أَوْ الْمُرَادُ بَيْنَ مَا يُوجِبُهُ الْكُفْرُ مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَيُقْتَلُ تَارِكُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، لِأَنَّهُ تَرْكٌ لَهَا، وَيُقَاسُ بِهَا الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ خِلَافٌ وَاهٍ، بِخِلَافِ الْقَوِيِّ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ، لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
(وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ) وُجُوبًا (بِصَلَاةٍ فَقَطْ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ) فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ تُجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا، فَلَا يُقْتَلُ لِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا، وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ، فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ، فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ: يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا مَحْمُولٌ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْقِتَالِ، بِقَرِينَةِ كَلَامِهَا

الصفحة 612