كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (اسم الجزء: 1)

الْمَانُّ بِاللُّطْفِ وَالْإِرْشَادِ، الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، الْمُوَفِّقُ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ مَنْ لَطَفَ بِهِ وَاخْتَارَهُ مِنْ الْعِبَادِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ: لَوْ عَبَّرَ بِالتَّعْدَادِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ عَدَّ لَكَانَ أَوْلَى.
أُجِيبَ بِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ (الْمَانِّ) أَيْ الْمُنْعِمِ تَفَضُّلًا مِنْهُ لَا وُجُوبًا عَلَيْهِ، وَقِيلَ الَّذِي يَبْدَأُ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَالْحَنَّانُ هُوَ الَّذِي يُقْبِلُ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَالْمَنُّ وَالْمِنَّةُ يُطْلَقَانِ عَلَى النِّعْمَةِ. قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 164] الْآيَةَ، وَيُطْلَقَانِ عَلَى تَعْدَادِ النِّعَمِ، تَقُولُ: فَعَلْتُ مَعَ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ تَعَالَى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264] وَالْمَانُّ هُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - صَحِيحَانِ؛ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ ذَمًّا (بِاللُّطْفِ) وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الطَّاءِ: أَيْ الرَّأْفَةِ وَالرِّفْقِ، وَهُوَ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ بِأَنْ يَخْلُقَ قُدْرَةَ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَفَتْحُهُمَا لُغَةٌ فِيهِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَمَّا جَاءَ الْبَشِيرُ إلَى يَعْقُوبَ أَعْطَاهُ فِي الْبِشَارَةِ كَلِمَاتٍ كَانَ يَرْوِيهَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ: يَا لَطِيفًا فَوْقَ كُلِّ لَطِيفٍ اُلْطُفْ بِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا كَمَا أُحِبُّ، وَرَضِّنِي فِي دُنْيَايَ وَآخِرَتِي (وَالْإِرْشَادِ) مَصْدَرُ أَرْشَدَهُ: أَيْ وَفَّقَهُ وَهَدَاهُ (الْهَادِي) أَيْ الدَّالِّ (إلَى سَبِيلِ) أَيْ طَرِيقِ (الرَّشَادِ) أَيْ الْهُدَى وَالِاسْتِقَامَةِ، وَهُوَ الرُّشْدُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ وَبِفَتْحِهِمَا نَقِيضُ الْغَيِّ (الْمُوَفِّقِ) أَيْ الْمُقَدِّرِ (لِلتَّفَقُّهِ) أَيْ التَّفَهُّمِ (فِي الدِّينِ) أَيْ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ الْأَحْكَامِ (مَنْ لَطَفَ بِهِ) أَيْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ (وَاخْتَارَهُ) أَيْ اصْطَفَاهُ لَهُ (مِنْ الْعِبَادِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» أَيْ وَيُلْهِمْهُ الْعَمَلَ بِهِ. وَفِي الْإِحْيَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَلِيلٌ مِنْ التَّوْفِيقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعِلْمِ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " الْعَقْلُ " بَدَلَ الْعِلْمِ. وَلَمَّا كَانَ التَّوْفِيقُ عَزِيزًا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: قَوْله تَعَالَى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ} [هود: 88] . وَ {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]

الصفحة 92