كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 1)

«الفاء» - هنا - فاء السببية.
وقال المَهْدَويّ: إذا جعل «فأزلهما» بمعنى زلَّ عن المضكَان كان قوله: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} توكيداً، إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر، وزهذا الذي قال المَهْدَوِيّ أشبه شيء بالتأسيس لا التأكيد، لإفادته معنى جديداً.
قال «ابن عطية» : وهنا محذوف يدلّ عليه الظاهر تقديره: فأكلا من الشَّجرة، يعني بذلك أن المحذوف [يقدر] قبل قوله: «فَأَزَلَّهُمَا» .
و «مَمَّا كَانَا» متعلّق ب «اخرج» ، و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية، وأن تكون نكرة موصوفة، أي: من المكان أو النعيم الَّذِي كانا فيه، أو من مكان، أو نعيم كانا فيه، فالجملة من «كان» واسمها وخبرها لا مضحَلّ لها على الأوّل ومحلّها الجَرّ على الثاني، و «من» لابتداء الغابة.
فصل في قصة الإغواء
روي عن ابن عبّاس، وقتادة قال الله تعالى لآدم: أَلَمْ يك فيما أبحتك الجَنّة مَنْدُوحَة عن الشَّجَرة، قال: بلى يا رَبّ وعزّتك، ولكن ما ظننت أن احداً يحلف بك كاذباً قال: فبعزّتي لأهبطنّك إلى الأرض، ثم لا تَنَالُ العيش إلا كدّاً، فأهبطا من الجنة، فكانا يأكلان فيها رغداً فعلم [صنعة] الحديد، وامر بالحَرْثِ فحرث وزرع وسقى، حتى إذا بلغ حصد، ثم دَاسَهُ، ثم ذَرَاه، ثم طحنه، ثم خبزه، ثم أكله، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله تعالى. ويروي أن «إبليس» أخذ من الشجرة التي نهى آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - عنها فجاء بها إلى حَوّاء فقال: انظري إلى هذه الشَّجرة ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لَوْنَهَا، فلم يزل يغويها حتى أخذتها فأكلتها وقالت لآدم: كُلْ فإني قد أكلت فلم تضرني، فأكل منها فبدت لهما سَوْآتهما، [وبقيا] عرايا، فطلبا ما يستتران به، فتباعدت الأشجار عنهما، وبكّتوه بالمعصية، فرحمته شجرة التين، فأخذ من وَرقها، فاسْتَتَرُوا به فَبُلِيَ بالعُرْيِ دون الشجر.

الصفحة 567