كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 1)

أولى. وهذا ضعيف؛ لأنه يجوز أن يراد: ولكم في الأرض مستقرّ بعد ذلك.
وثانيهما: أنه قال في الهُبُوط الثَّاني: «اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً» ، والضمير في «منها» عائد إلى «الجنّة» وذلك يقتضي كون الهُبُوط الثاني من الجنّة.
قال «ابن عطية» وحكى «النَّقَّاش» أن الهبوط الثَّاني إنما هو من الجنّة إلى السّماء، والأولى في ترتيب الآية إنما هو إلى الأرض، وهو الآخر في الوقوع.
وقيل: كرّر على سبيل التاكيد نحو قولك: «قم قم» .
والضَّمير في «منها» يعود على الجنّة، أو السَّماء.
قال «ابن الخطيب» : وعندي فيه وجه ثَالثٌ، وهو أن آدم لما أتيا بالزِّلَّة أمرا بالهبوط، فتابا بعد الأمر بالهبوط، فأعاد الله الأمر بالهبوط مَرّةً ثانيةً ليعلما أن الأمر بالهبوط ما كان جزاء على ارتكاب الزِّلَّة حتى يزول بزوالها، بل الأمر بالهبوط باق بعد التوبة؛ لأن الأمر به كان تحقيقاً للوَعْدِ المتقدّم في قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} [البقرة: 30] .
قوله: «جميعاً» حال من فاعل «اهْبِطُوا» أي: مجتمعين: إما في زمان واحدٍ، أو في أزمنة متفرقة؛ لأن المُرَاد الاشتراك في أصل الفعل، وهذا هو الفرق بين «جاءوا جميعاً» ، و «جاءوا معاً» ، فإن قوك: «معاً» يستلزم مجيئهم جميعاً في زمن واحد، لما دلّت عليه «مع» من الاصْطِحَاب بخلاف «جميعاً» فإنها لا تفيد إلا أنه لم يتخلّف أحد منهم عن المجيء من غير تعرُّض لاتحاد الزمان.
و «جميع» في الأَصْلِ من ألفاظ التَّوكيد، نحو: «كل» ، وبعضهم عدها معها.
وقال: «ابن عطية» : و «جميعاً» حال من الضمير في «اهبطوا» ، وليس بمصدر ولا اسم فاعل، ولكنه عوض منهما دالّ عليهما، كأنه قال: هبوطاً جميعاً أو هابطين جميعاً، كأنه يعني ان الحال في الحقيقة محذوف، وأن «جميعاً» تأكيد له، إلاَّ أن تقديره بالمصدر ينفي جعله حالاً إلا بتأويل لا حَاجَةَ إليه.

الصفحة 579