كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 1)

وقيل: أنه على نِيَّةِ الألف واللام.
وقيل: حذف التنوين تخفيفاً، وقرأ الزهري، والحسن وعيسى بن عمر، وابن أبي إسحاق، ويعقوب:» فَلاَ خَوْفَ «مبنياً على الفتح؛ لأنها» لا «التبرئة، وهي أبلغ في النَّفي، ولكن الناس رجَّحوا قراءة الرفع.
قال» أبو البقاء «: لوجهين:
أحدهما: أنه عطف عليه ما لا يجوز فيه إلاَّ الرفع، وهو قوله:» ولا هم «لأنه معرفة، و» لا «لا تعمل في المَعَارِف، فالأولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك لِتَتَشَاكل الجملتان، ثم نظره بقولهم:» قام زيد وعمراً كلّمته «يعني في تَرْجيح النَّصْب في جملة الاشتغال للتشاكل.
ثم قال: والوجه الثاني: من جهة المعنى، وذلك أن البناء يدلّ على نفي الخوف عنهم بالكلية، وليس المراد ذلك، بل المراد نفيه عنهم في الآخرة.
فإن قيل: لم لا يكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهُدَى، ولا يليق أن ينفى عنهم الخوف اليسير، ويتوهّم بثبوت الخوف الكثير.
قيل: الرفع يجوز أن يضمر معه نفي الكثير، تقديره: ولا خوف كثير عليهم، فيتوهّم ثبوت القليل، وهو عكس ما قدر في السُّؤال، فبان أن الوجه في الرفع ما ذكرنا.
قوله:» ولا هم يحزنون «تقدّم أنه جملة منفية، وأن الصَّحيح أنها غير عاملةٍ. و» يحزنون «في محلّ رفع خبر للمبتدأ، وعلى ذلك القَوْل الضَّعيف يكون في محلّ نصب و» الخوف «: الذُّعر والفَزَع، يقال: خاف يَخَاف خوفاً، فهو خائف، والأصل: خوف بوزن» علم «ويتعدّى بالهمزة والتضعيف، قال تعالى:
{وَنُخَوِّفُهُمْ} [الإسراء: 60] ولا يكون إلا في الأمر المستقبل.
والحُزْن: ضد السرور، وهو مأخوذ من «الحَزْن» ، وهو ما غلظ من الأرض، فكأنه ما غلظ من الهَمّ، ولا يكون إلا في الأمر الماضي، يقال: حَزِنَ يَحْزَنُ حُزْناً وَحَزَناً، ويتعدّى بالهمزة نحو: أَحْزَنْتُهُ، وحَزّنته بمعناه، فيكون «فعّل» و «أَفْعَل» بمعنى. وقيل: أَحْزَنَهُ حَصَّل له حزناً.
وقيل: الفتحة مُعَدِّية للفعل: نحو: شترَتْ عينه وشَتَرها الله، وهذا يدل علة قول من يرى أن الحركة تعدّي الفعل، وقد قرئ باللغتين: «حَزَنَهُ وأَحْزنه» ، وسيأتي تحقيقهما إن شاء الله تعالى.

الصفحة 584