كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

حتى يتخيل أنه يطئ الأجنبية، هل يأثم بذلك فاعله أويستحب له أن يفعل ذلك لحديث: «إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه» (¬1) .
فأجاب: بأنه لا يحرم عليه ذلك، ولا يؤاخذ به لقوله - صلى الله عليه وسلم - «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها» (¬2) ولكن يكره ذلك، والله أعلم قاله الدميري (¬3) .
وفيه دليل على أن ما ليس بعمل تشترط فيه النية كالتروك مثل ترك الزنا والخمر وباقي المعاصي، نعم إذا أراد تحصيل الثواب ولابد له من القصد، فمن ترك الزنا مثلاً بعد أن خطر على باله خوفاً من الله يثاب على هذا الترك، أما من لم يقصد ترك المعصية لا يثاب على تركها فمن لم تخطر المعصية بباله أصلاً ليس كمن خطر في نفسه عنها خوفاً من الله.
وفيه دليل على أن النجاسة لا تجب إزالتها وهو الأصح لأنه من باب التروك (انتهى) .
وفيه دليل على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكارم الأخلاق حيث لم يصرح بالإنكار على من هاجر لأجل المرأة، بل أورده مورد الإيهام كقوله في حديث آخر: «ما بال أقوام يفعلون كذا» (¬4) وهذا من مكارم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -.
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه (2/1021، رقم 1403) ، وأحمد في مسنده (3/348، رقم 14786) ، والطبراني في المعجم الأوسط (9/38، رقم 9073) من حديث جابر.
(¬2) أخرجه البخاري في صحيحه (5/2020، رقم 4968) ، ومسلم في صحيحه (1/116، رقم 127) ، والترمذي في سننه (3/489، رقم 1183) ، وأبو داود في سننه (2/264، رقم 2209) ، والنسائي في سننه (6/156، رقم 3433) ، وابن ماجه في سننه (1/658، رقم 2040) ، وأحمد في مسنده (2/425، رقم 9494) ، وأبو يعلى مسنده (11/278، رقم 6390) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/85، رقم 18062) ، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1/82، رقم 6) ، والطيالسي في مسنده (ص: 322، رقم 2459) ، والحارث في مسنده (1/163، رقم 19) ، وابن منده في الإيمان (ص: 475، رقم 349) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/282) ، والقضاعي في مسند الشهاب (2/167، رقم 1114) ، والبيهقي في السنن الكبرى (7/350، رقم 14830) جميعاً عن أبي هريرة.
(¬3) الدميري هو: بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز، أبو البقاء، تاج الدين السلمي الدميري القاهري، فقيه انتهت إليه رياسة المالكية في زمنه، مصري نسبته إلى ميرة قرية قرب دمياط ومولده بها سنة: 734هـ‍،. أفتى ودرس وناب في القضاء بمصر، واستقل به سنة 791 – 792، وتوجه مع القضاة إلى الشام لحرب الظاهر وعاد الظاهر، فعزله بعد أن طعن في صدره وشدقه، وكان محمود السيرة لين الجانب، كثير البر، انتفع به الطلبة ولاسيما بعد صرفه عن القضاء.
له كتب منها: الشامل على نسق مختصر خليل في الفقه، وقام بشرحه بعد ذلك، والمناسك في مجلدة، و (شرح) في ثلاثة مجلدات، وشرح مختصر خليل في الفقه، وشرح مختصر ابن الحاجب في الأصول، وشرح ألفية ابن مالك، والدرة الثمينة منظومة في نحو 3000 بيت، وشرحها، اطلع السخاوي على بعض هذه الكتب بخطه، وكانت وفاته سنة: 805هـ‍.
(¬4) هذا ما كان يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في بذل النصيحة في الملأ بدون تصريح بالذين يقومون بالفعل المخالف الذي على أثره أتت النصيحة منه - صلى الله عليه وسلم -، وهو تعليم سديد ومنهج رشيد وأسوة حسنة، وكتب السنة فيها الأمثلة الكثيرة لذلك نحو ما رواه البخاري في صحيحه (2/981، رقم 2584) في قصة عن عائشة رضي الله عنها وفيه أنها قالت: ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فقال: «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط» .
ونحو ما رواه مسلم في صحيحه (2/1020، رقم 1401) في قصة النفر الذين سألوا أزواج عن عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقصة رواها سيدنا أنس بن مالك وفيها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمع كلام النفر، حمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» .

الصفحة 122