كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

كما قيل لما هبط آدم - عليه السلام - إلى الإرض جاءته وحوش الفلاة تسلم عليه وتزوره، فكان يدعو الكل حبس بما يليق به، فجاءته طائفة من الظباء فدعا لهن ومسح على ظهورهن فظهر فيهن نوافح المسك، فلما رأى بواقيها ذلك قالوا: من أين هذا لكن؟ فقلن: زرنا صفي الله آدم فدعا لنا، ومسح على ظهورنا، فمضى البواقي إليه فدعا لهن ومسح على ظهورهن فلم يظهر بهن من ذلك شيء، فقال الذين ظهر فيهم ذلك: نحن كان عملنا لله من غير شوب.
فظهر ذلك في نسلهم وعقبهم إلى يوم القيامة ببركة الإخلاص.
فائدة: غزال المسك يحل أكله من الغزلان هو أسود وهو كالغزال إلا أن له نابين أبيضين خفيفين خارجين من فيه كنابي الخنزير، كل واحد منها دون الفتر.
وأصل المسك: دم يجتمع في سرتها في وقت معلوم، والمسك ثمر في كل سنة للشجرة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، والمسك أطيب الطيب وأفضله، وهو طاهر وإن كان أصله دماً إذا أخذ من الظبية، وهي حية يجوز استعمالها في البدن والثوب ويجوز بيعه، وهو مستثنى من قول الفقهاء: «ما أبين من حي فهو ميت» .
ومن خواص المسك أنه يقوي البصر، وينشف الرطوبات، ويقوي القلب والدماغ، ويجلو بياض العين، وينفع من الخفقان، وهو ترياق السموم، ويقوي الأعضاء الباطنة والظاهرة شماً وشرباً، ومنافعه كثيرة فلهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعمله كثيراً.
وحكى الإمام حجة الإسلام الغزالي: أن بعض العباد بلغه أن قوماً يعبدون شجرة من دون الله، فخرج العابد بنية قصد بها وجه الله، فاعترض له إبليس في صورة رجل وقال: إن قطعتها عبدوا غيرها فارجع إلى عبادتك، فقال: لابد من قطعها، فقاتله إبليس فصرع العابد إبليس وانتصر عليه، فقال له إبليس: أنت فقير ارجع إلى عبادتك، واجعل لك دينارين تحت رأسك كل ليلة، وقال للعابد: لو شاء الله لأرسل رسولاً يقطعها، وما عليك إذ لم تعبدها أنت، فمال العابد إلى قوله ورجع، فلما بات تلك الليلة وأصبح وجد دينارين، ثم في اليوم التالي وجدهما ثم في اليوم الثالث لم يجد شيئًا فخرج لقطعها لا لوجه الله، فعارضه إبليس في صفة رجل فقاتله فانتصر إبليس على العابد فقال العابد: كيف قدرت عليك في المرة الأولى بخلاف الثانية قال له إبليس: لأنك في المرة الأولى كان غضبك لله لا لأجل الدنيا بخلاف الثانية، فعرف من هذا أن الإنسان إذا أخلص في عمله قهر عدوه الشيطان، وإن لم يخلص كان مقهوراً مغلوباً مع الشيطان.

الصفحة 126