كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ... خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدروع وعن عال من الأطم
ففي هذه إشارة إلى حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعدائه من الكفار وقعت بأضعف الأشياء مغنية عن أقوى الأشياء، وقعت بنسج العنكبوت وهو أضعف الأشياء قال تعالى ?وَإِنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنكَبُوتِ? [العنكبوت: 41] مغنية عن الدروع التي قال الله عنها: ?وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّنْ بَأْسِكُمْ? [الأنبياء: 80] .
قال العلماء: نسج العنكبوت على جماعة غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، الأول: شخص من الصحابة يقال له: «عبد الله بن أنيس» بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأجل قتل شخص من الكفار يقال خالد بن نبيح الهذلي، فذهب إليه وهو بالغرفة فقتله ثم احتمل رأسه ودخل في غار فنسجت عليه العنكبوت، وجاءوا لطلبه فلم يجدوا شيئاً، فلما وصلوا إلى باب الغار نسج العنكبوت فانصرفوا راجعين، ثم خرج وسار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رأه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفلح الوجه» قال: وجهك يا رسول الله، ووضع الرأس بين يديه، وأخبره الخبر فدفع إليه عصى كانت بيده وقال: «تُخص بهذه في الجنة» فكانت عنده إلى أن حضرته الوفاة ووصى أهله أن يدفنوها في كفنه ففعلوا، وكانت مدة غيبته ثمان عشرة ليلة.
الثاني: داود - عليه السلام - نسجت عليه مرتين حين كان جالوت يطلبه.
الثالث: زيد بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب (¬1)
لما انتهت إليه الخلافة وبايعه عليها خلق كثير حاربه والى العراق وهو يوسف بن عمر فظفر به وصلبه على خشبة عرياناً، ووجهه لغير القبلة، فدارت خشبته إلى القبلة وأرسل الله تعالى العنكبوت فنسج على عورته لبركة آبائه وإسلامه، وأقام مصلوباً أربع سنوات، ثم أحرقوا خشبته وجسده - رضي الله عنه - وكان ظهوره وخلافته في أيام هشام بن عبد الملك فقال له طائفة كثيرة من أهل الكوفة تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نبايعك فقال: لا، فقالوا: إذاً نرفضك، فمن ذلك اليوم سموا الرافضة.
فائدة: أسند الثعلبي (¬2) وغيره عن علي بن أبي طالب قال: طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت، فإن تركه في البيوت يورث الفقر.
وقال أبو الليث السمرقندي (¬3) : تركه في الإصطبل يهزل الدوآب.
وقال الزركشي من علماء الشافعية: إنه يجوز قتله، لأنه من ذوات السموم،
¬_________
(¬1) هو: زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الإمام، أبو الحسين العلوي الهاشمي القرشي، ويقال له زيد الشهيد، مولده في سنة: 79هـ‍، عده الجاحظ من خطباء بني هاشم، وقال أبو حنيفة: ما رأيت في زمانه أفقه منه ولا أسرع جواباً ولا أبين قولاً، كانت إقامته بالكوفة، وقرأ على واصل بن عطاء رأس المعتزلة واقتبس منه علم الاعتزال، وأشخص إلى الشام، فضيق عليه هشام بن عبد الملك، وحبسه خمسة أشهر، وعاد إلى العراق ثم إلى المدينة، فلحق به بعض أهل الكوفة يحرضونه على قتال الأمويين، ورجعوا به إلى الكوفة سنة 120هـ‍، فبايعه أربعون ألفاً على الدعوة إلى الكتاب والسنة، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، والعدل في قسمة الفيء، ورد المظالم، ونصر أهل البيت. وكان العامل على العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي، فكتب إلى الحكم بن الصلت وهو في الكوفة أن يقاتل زيداً، ففعل، ونشبت معارك انتهت بمقتل زيد في الكوفة في عام: هـ 122هـ‍، وحمل رأسه إلى الشام فنصب على باب مشق. ثم أرسل إلى المدينة فنصب عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً وليلة، وحمل إلى مصر فنصب على الجامع، فسرقه أهل مصر ودفنوه.
قال في الأعلام: ووقف المجمع العلمي في ميلانو مؤخراً على مجموع في الفقه رواه أبو خالد الواسطي عن زيد بن علي، فإن صحت النسبة كان هذا الكتاب أول كتاب دوِّن في الفقه الإسلامي، ومثله: تفسير غريب القرآن، ولابد من التثبت من صحت نسبته إليه، وإلى صاحب الترجمة نسبة الطوائف: الزيدية.
(¬2) الثعلبي هو: أبو إسحاق، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي: مفسر، من أهل نيسابور، له اشتغال بالتاريخ، ومن تصانيفه: العرائس في قصص الأنبياء، وقد نقل عنه المصنف في هذا الشرح في بعض المواضع وقد بينا وجه الحق فيها، وله أيضاً تفسيره المسمي الكشف والبيان في تفسير القرآن، وكانت وفاته سنة (427هـ) .
انظر: الأعلام (1/212) .
(¬3) هو: نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، فقيه، مفسر، صوفي، توفى رحمه الله تعالى سنة (373هـ) ، وقيل: سنة (375هـ) ، وقيل: سنة (393هـ) ، وكانت وفاته في الحادي عشر من جمادى الآخرة. من مصنفاته التي تركها: تفسير القرآن، بستان العارفين، تنبيه الغافلين، خزانة الفقه على مذهب أبي حنيفة النعمان.
انظر: معجم المؤلفين (13/91) ، وتذكرة الحفاظ (3/169) ، وهدية العارفين (2/490) .

الصفحة 140