كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

الله - صلى الله عليه وسلم - ضرع الشاة وظهرها فحلب في الإناء، وكان إناء يفي رهطاً فشرب من لبنها وسقى أصحابه، ثم حلب في الإناء أيضاً وتركه عندها، واستمرت البركة في تلك الشاة ببركتة - صلى الله عليه وسلم - ومن نسلها ما هو باق إلى زماننا هذا.
وأما زوجها قال السهيلي: لا يعرف اسمه وقد ورد بأن اسمه: أكتم بن أبي الجون، فإنه جاء من المرعى وقت المساء، بعد أن سافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى عندها لبناً في الإناء فقال لها: من أين هذا ولا حلوب عندك؟ قالت: يا أبا معبد مر بنا رجل ظاهر الوضاءة، متبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد، يخلو الشعر في عنقه سطع، وفي لحيته كثافة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما، وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق، فصل لا نزر، ولا هذر، أجهر الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة لا تشنوؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود، محشود لا عابث ولا مفند، قال هذه والله صفة صاحب قريش، ولو رأيته لاتبعته ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، ثم هاجرت بعد ذلك هي وزوجها فأسلما وكان أهلها يفرحون بنزول الرجل المبارك (¬1) .
ثم لما فارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم معبد وكان كفار مكة قد جعلوا لمن يقتل أو يأسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر دية كل واحد منهما، فبلغ ذلك سراقة بن مالك بن جعشم، وكذا قد بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ساروا على طريق السواحل،
¬_________
(¬1) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (1/231) وما هاهنا مستفاد من رواية أبو معبد الخزاعي التي عند ابن سعد.
ولأم معبد رواية فيها حديث الهجرة تاماً، فيه قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندها وأوصافه نحو ما هاهنا بألفاظ متقاربة، رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/288) ، ورواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/252، رقم 3485) .
والحديث أيضاً مروي عن حبيش صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أخو عاتكة أم معبد، قال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/1876) ذكر أبو جعفر العقيلي ... فساق حديث أم معبد في هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال عقبه: وقد روي حديث أم معبد هذا بكماله عنها في رواية العقيلي هذه، وروي عن أبي معبد زوجها، وعن حبيش ابن خالد أخيها بمعنى واحد والألفاظ متقاربة.

الصفحة 143