كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

كذب، وكان يقول أيضاً: ما حلفت بالله في عمري لا كذاباً ولا صادقاً.
وسئل مرة عن مسألة فسكت، فقيل له: لم لا تجب؟ فقال: حتى أعلم الفضل في السكوت أم في الجواب.
وأما سخاؤه فقد روى الحميدي أن الشافعي - رضي الله عنه - خرج إلى اليمن في بعض أشغاله ثم انصرف إلى مكة ومعه عشرة آلاف درهم، فضرب خيمته خارج مكة فكان الناس يأتونه، فما راح من مكانه حتى فرقها جميعها، وخرج يوماً من الحمام وقد أتى بمال كثير فدفعه إلى الحمامي.
وسقط سوط من يده وهو راكب فرفعه إليه إنسان فأعطاه خمسين دينار.
وكان عفيفاً عن اللغو والكلام الفاحش، مر يوماً برجل يسفه على رجل من أهل العلم فالتفت الشافعي فقال: نزهوا أسماعكم عن سماع الخنا كما تنزهوا ألسنتكم عن النطق به فإن المستمع شريك القائل، وإن السفيه لينظر إلى أحب شيء في وعائه فيحرص أن يفرغه في أوعيتكم، ولو ردت كلمة السفيه لشقي رادها كما يشقي قائلها.
ومن كلامه: أظلم الظالمين لنفسه الذي ارتفع جفاء أقاربه، وأنكر معارفه، واستخف بالأشراف، وتكبر علي ذوي الفضل.
قال بعضهم للشافعي ثلاث كلمات لم يسبق إلى واحدة منهن قوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقوله: وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا ينسب إلى حرف منه، وقوله: ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يظهر الله الحق علي يديه.
وله شعر كثير يحتوي علي حكم ومواعظ، وله أدعيه كثيرة روى عبد الله بن مروان قال: كنت أجلس في حلقة العلم عند الإمام الشافعي، وأكتب ما أفهمه منه فآتيته سَحراً، فوجدته في المسجد وهو قائم يصلي فلبثت حتى فرغ من صلاته، ثم دعا بدعوات حفظتها منه فكان من جملة ذلك: اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة، وهب لنا تصحيح المعاملة فيما بيننا وبينك على السنة، وارزقنا صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك، وامنن علينا بكل ما يقربنا إليك مقروناً بالعافية في الدارين برحمتك يا أرحم الراحمين، قال: فلما فرغ من دعائه خرج من المسجد وخرجت خلفه فوقف ينظر إلى السماء ثم أنشد فقال:
بموقف زلي عند عزتك العظمى ... بمخفي لا نحيط به علما
بإطراق رأسي باعترافي بزلتي ... بمد يدي أسقط الجود والرحما

الصفحة 153