كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

والحكمة في ذلك ليختبر صبره ويحسن تأديبه، لاحتمال ما يكلف به من أعباء النبوة.
وهذا الصوت هو كصوت الجرس يحتمل أن يكون صوت جبريل بالوحي أو أن يكون صوت أجنحته.
و «الجرس» بفتح الراء والسين والعامة «جرص» بالصاد.
فإن قيل: كيف شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - صوت جبريل بصوت الجرس مع أن صوت جبريل محمود وصوت الجرس مذموم منهي عنه، فقد روينا في صحيح مسلم «إن الملائكة لا تصحب رفقة فيها كلب أو جرس» (¬1) ، وفيه «الجرس مزامير الشيطان» (¬2)
، والمحمود لا يشبه المذموم، ويلزم منه أن يفعل الملك من مثله الملائكة؟
فالجواب: أن المقصود تشبيه صوت شديد بصورة شديد على وجه خاص ولا يلزم في التشبيه تساوي المشبه والمشبه به في الصفات كلها، بل يكفي اشتراكها في صفة ما.
والحاصل: أن صوت الجرس له جهتان جهة قوة وجهة طرب، فمن حيث القوة وقع التشبيه، ومن حيث الطرب وقع النهي عنه والتنفير منه، وعلل بكونه مزمار الشيطان.
فإن قيل: لأي شيء كانت هذه الحالة أشد الحالات عليه وأصعبها؟
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه (3/1672، رقم 2113) عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس» .
والحديث رواه أيضاً: الترمذي في سننه (4/207، رقم 1703) ، قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وعائشة وأم حبيبة وأم سلمة وهذا حديث حسن صحيح، والنسائي في السنن الكبرى (5/251، رقم 8810) ، واحمد في مسنده (2/262، رقم 7556) ، وابن خزيمة في صحيحه (4/146، رقم 2553) ، وابن حبان في صحيحه (10/554، رقم 4703) ، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1/302، رقم 280) ، وابن أبي شيبة في المصنف (6/424، رقم 32592) والبغوي في الجعديات (1/391، رقم 2670) ، والدارمي في سننه (2/374، رقم 2676) ، والديلمي في الفردوس (5/75، رقم 7500) .
(¬2) أخرجه مسلم في صحيحه (3/1672، رقم 2114) عن أبي هريرة.
وأخرجه أيضاً: أحمد في مسنده (2/372، رقم 8838) ، وأبو يعلى في مسنده (11/398، رقم 6519) ، والبيهقي في سننه الكبرى (5/253، رقم 10106) .

الصفحة 171