كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

فالجواب: أن الفهم من كلام جبريل وصوته مثل صلصله الجرس، أشكل من الفهم من كلامه وهو على صورة رجل يخاطبه ويعلمه كما يعلم الإنسان غيره، بيان ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ملكياً بشرياً فتارة يأتيه جبريل على صورة الملك، فينسلخ - صلى الله عليه وسلم - عن وصف البشرية ويتصف بصفة الملك بأن يغلب عليه الروحانية، وإنما يقع له ذلك لأجل المناسبة، فإن العادة جرت بالمناسبة بين القائل السامع، وتارة يأتيه الوحي على صفة رجل، ويتصف بصفة الرجل البشر ولا شك أن انسلاخه من طور البشر أشد عليه من بقائه عليه.
وفي صحيح مسلم «كان إذا نزل عليه الوحي نكس رأسه، ونكس أصحابه رؤوسهم، فإذا أتلي عنه رفع رأسه» (¬1) .
وورد في حديث «إنه كان يسمع عنده لما ينزل عليه جبريل دوي كدوي النحل» (¬2) .
وروى أحمد والحاكم والترمذي من حديث عمر بن الخطاب أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي سمع عنده دوي كدوي النحل، فمكثنا ساعة ثم سري عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: «اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارضنا وارض عنا» ثم قال: «لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، أي: من عمل بهن ولم يخالف ما فيهن» ثم قال: ?قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ? [المؤمنون: 1، 2] قال الحاكم: صحيح الاسناد (¬3) .
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه (4/1817، رقم 2335) عن عبادة بن الصامت.
(¬2) انظر الحديث الآتي بعده فهو هو.
(¬3) أخرجه الترمذي في سننه (5/326، رقم 3173) وعقبه ساق إسناداً آخر فقال: حدثنا محمد بن أبان حدثنا عبد الرزاق عن يونس بن سليم عن يونس بن يزيد عن الزهري بهذا الإسناد نحوه بمعناه، قال أبو عيسى: هذا أصح من الحديث الأول، سمعت إسحاق بن منصور يقول: روى أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن يونس بن سليم عن يونس بن يزيد عن الزهري هذا الحديث، قال أبو عيسى: ومن سمع من عبد الرزاق قديماً فإنهم إنما يذكرون فيه عن يونس بن يزيد، وبعضهم لا يذكر فيه عن يونس بن يزيد، ومن ذكر فيه يونس بن يزيد فهو أصح، وكان عبد الرزاق ربما ذكر في هذا الحديث يونس بن يزيد وربما لم يذكره، وإذا لم يذكر فيه يونس فهو مرسل.
ورواه أحمد في مسنده (1/34، رقم 223) ، والحاكم في المستدرك (1/717، رقم 1961) وصححه.
وأخرجه أيضاً: عبد الرزاق في المصنف (3/383، رقم 6038) ، وعبد بن حميد (1/34، رقم 15) ، والبزار في مسنده (1/427، رقم 301) .

الصفحة 172