كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

وكانت مدة وحي المنام كما قاله البيهقي ستة أشهر.
قال ابن حجر: على هذا فابتداء النبوة بالرؤيا من شهر مولده، وهو ربيع الأول، وابتداء الوحي يقظة وقع في رمضان.
فائدة لغوية: «الرؤيا» مصدر الوحي كالرجعى مصدر رجع، ويختص برؤيا المنام كما اختص الرأي بالقلب، والرؤية بالعين.
والصالحة يجوز أن يكون صفة موضحة للرؤيا، بناءً على أن غير الصالحة لا تسمى رؤيا تسمى بالحلم، كما ورد الرؤيا من الله والحلم من الشيطان، ويجوز أن يكون صفة مخصصة بناءً على أن السنة تسمى بالرؤيا قال العلماء: الرؤيا على قسمين صالحة وتسمى صادقة، وهي بشارة من الله يبشرها عبده ليحسن بها ظنه، ويكثر عليها شكره، وكاذبة وتسمى: بالحلم وبأضغاث أحلام، وهي من الشيطان يراها الإنسان ليحزنه فيسوء ظنه بربه، ويقل حظه من شكره، ولذلك أمر بالنفوذ من شره وغيره كما سيأتي ليطرده.
والرؤيا الصالحة لا تختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بل يشاركه غيره فيها لكن خص - صلى الله عليه وسلم - بأن جميع ما كان يراه في منامه حق وصدق، ولهذا قالت عائشة «وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح» وفلق: بفتح أولهما وثانيهما ضياؤه أي: جاءت مثل الوضوح والبيان.
قال الكرماني: والصحيح أنه بمعنى المفلوق، وهو اسم للصبح، فأضيف أحدهما إلى الآخر لاختلاف اللفظين، والذي يدل على أن الفلق هو الصبح استعماله وحدة قال تعالى ?قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ? [الفلق: 1] ، وإنما عبرت عن صدق الرؤيا بفلق الصبح ولم تعبر بغيره: لأن شمس النبوة كان مبادئ أنوارها الرؤيا إلى أن تم نورها وبرهانها، وظهرت أشعتها وإلى هذا صاحب البرده أشار بقوله:
لا ينكر الوحي من رؤياه أن له ... قلباً إذا نامت العينان لم ينم
بخلاف رؤيا غيره - صلى الله عليه وسلم - فإنها قد تكون صادقة، وقد تكون أضغاث أحلام.
وحقيقة الرؤيا الصالحة: أن الله يخلق في قلب النائم وفي حواسه الأشياء كما يخلقها في اليقظان، وهو سبحانه يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا غيره عنه فربما يقع ذلك في اليقظة كما رآه في المنام، وربما جعل ما رآه علماً على أمور أُخر يخلقها في ثاني الحال، أو كان قد خلقها فتقع تلك، كما جعل الله الغيم علامة للمطر وصلاح الرؤيا إما باعتبار تعبيرها.

الصفحة 189