كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

جلسوا مواجهين له فقد يمنعهم الحياء من أن يواجوه بالتكذيب، إذا المقابلة بالتكذيب في الوجه صعبة.
«ثم قال» أي: هرقل «لترجمانه قل لهم» أي: لأصحاب أبي سفيان «إني سائل هذا» أي: صاحبكم أبا سفيان «عن هذا الرجل» أي: الذي يزعم أنه نبي «فإن كذبني» أي: نقل إلى عن محمد بأن قال فيه خلاف الواقع «فكذبوه» أي: لا تستحيوا منه فتسكتوا عن تكذيبه بل كذبوه.
«قال أبو سفيان: فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً بالكذب عليه» ، وفي نسخة «لكذبت عنه» وهي إما بمعنى لأخبرت عنه بالكذب، وإما بمعنى: على أي: لكذبت عليه.
معنى كلام أبي سفيان: لولا الحياء من أن رفقتي يرون عني ويحكون في بلادي كذباً فأعاب به لأن الكذب قبيح وإن كان على العدو، لكذبت عليه لبغضي إياه ولمحبتي نقصه، ويعلم من هذا أن الكذب كان قبيحاً في الجاهلية.
فائدة: صرح فقهاؤنا بأن شهادة العدو على عدوة لا تقبل للتهمة، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - «لا تقبل شهادة ذي غمر» (¬1)
بكسر الغين أي: عدو حقود على أخيه ويفرح بمصيبته
¬_________
(¬1) أخرجه الترمذي في سننه (4/545، رقم 2298) عن عائشة مرفوعاً بلفظ: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حداً ولا مجلودة ولا ذي غمر لأخيه ... الحديث» .
قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن زياد الدمشقي، ويزيد يضعف في الحديث ولا يعرف هذا الحديث من حديث الزهري إلا من حديثه، وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، قال: ولا نعرف معنى هذا الحديث ولا يصح عندي من قبل إسناده، والعمل عند أهل العلم في هذا أن شهادة القريب جائزة لقرابته، واختلف أهل العلم في شهادة الوالد للولد، والولد لوالده، ولم يجز أكثر أهل العلم شهادة الوالد للولد ولا الولد للوالد.
وقال بعض أهل العلم إذا كان عدلاً فشهادة الوالد للولد جائزة، وكذلك شهادة الولد للوالد ولم يختلفوا في شهادة الأخ لأخيه أنها جائزة، وكذلك شهادة كل قريب لقريبه.
وقال الشافعي: لا تجوز شهادة الرجل على الآخر وإن كان عدلاً إذا كانت بينهما عداوة، وذهب إلى حديث عبد الرحمن الأعرج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا: «لا تجوز شهادة صاحب إحنة» يعني صاحب عداوة، وكذلك معنى هذا الحديث حيث قال: «لا تجوز شهادة صاحب غمر لأخيه» يعنى صاحب عداوة.
والحديث رواه أبو داود (3/306، رقم 3600) من طريق سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه» .
وأخرجه أيضاً: سنن ابن ماجه (2/792، رقم 2366) إلا أنه من طريق حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ... به.
قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/54) : هذا إسناد ضعيف لتدليس حجاج بن أرطأة، رواه من طريقه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده ... به، وله شاهد من حديث عائشة رواه الترمذي في الجامع.

الصفحة 258