كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

المسألة الرابعة: اختلف العلماء في إيمان المقلد، والمقلد هو أن يسمع إنسان الناس يقولون: إن للخلق رباً خلقهم وخلق كل شيء، ويستحق العبادة عليهم وحده لا شريك له، فيجزم بما سمعه منهم، والمختار الذي عليه الفقهاء وكثير من العلماء صحته من غير نظر واستدلال، لحصول الجزم بالإيمان الذي يحصله الاستدلال، ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقبلون إيمان عوام الأمصار التي فتحوها من العجم حال كون إيمانهم صادراً تحت السيف، ولا استدلال.
ومنع كثير من المعتزلة صحته وورد عليهم بأنه يلزم من قولهم تكفير العوام وهو غالب المؤمنين.
المسألة الخامسة: اختلف في أنه هل يجوز للإنسان أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله
تعالى؟
فذهب أبو حنيفة وأصحابه وكثير من العلماء إلى أنه ليس له أن يقول: ذلك، وإنما يقول: أنا مؤمن حقاً.
والذي ذهب إليه الإمام الشافعي وأصحابه والإمام مالك وأصحابه والإمام أحمد وأصحابه وأكثر العلماء وأكثر السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى جواز قول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى وبه قالت الأشعرية هذا إذا كان جازماً بالإيمان حال التكلم، أما إذا شك في إيمانه حال التكلم وقال: إن شاء الله للشك في إيمان فإن إيمانه يكون منفياً لأن الشك في ثبوته الحال كفر وليس محل قول إن شاء الله بالاتفاق بل محل النزاع بين الفريقين إنما هو إيمان الموافاة وهو الذي يموت العبد عليه، ويأتي متصفاً به آخر حياته أول منازل آخرته، وهو المعتبر في النجاة في الدار الآخرة، وهو الملحوظ عند المتكلم بالمشيئة، فإذا جزم الإنسان بالإيمان في الحال ولكن لا يعلم هذا الحال يبقى هذا الإيمان إلى الوفاة أم، فله عند الفريق الثاني أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى أي: أنا أموت على الإيمان إن شاء الله وهو أمر مستقبل فالقائل: أنا مؤمن إن شاء الله مقتد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعامل بقوله تعالى ?وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ? [الكهف: 23، 24] أيضاً يقول: إن شاء الله للتبرك بالمشيئة خوفاً من سوء الخاتمة، مع جزمه بالإيمان في الحال فكان القائل: أنا مؤمن إن شاء الله يقول: أطلب حسن الخاتمة، فكم من إنسان سلب الإيمان عند موته، نسأل الله العظيم أن يختم لنا وللمسلمين بخير في عافية بلا محنة.
وحكى الإمام الغزالي حجة الإسلام قدس الله روحه في منهاج العابدين: أن تلميذ

الصفحة 297