كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

وإن كانوا قد استغنوا ... فأنا عنهم أغنى
وقال الإمام أبو محمد رحمه الله تعالى: خرج ثلاثة من الزهاد يريدون الحج إلى بيت الله الحرام في وسط السنة متوكلين بغير زاد، فنزلوا قرية بها نصارى فوقع نظر رجل منهم على محاسن امرأة فتعلق بها، فلما عزموا على السفر احتال بحيلة، فقعد وسار صاحباه وتركاه في القرية، فأفشى سره لأبي المرآة وخطبها منه فقال: مهرها كثير لا تقدر عليه فقال: وما هو فقال: تترك دين الإسلام وتدخل في دينها دين النصرانية، فتنصر وتزوجها وولد له منها ولدان ومات على دين النصرانية، فرجع صاحباه من سياحتهما وسألا عنه فقيل لهما: إنه توفى على دين النصرانية ودفنوه في مقابرهم، فذهبا إلى المقبرة فوجد امرأته وولديه يبكيان عليه، فجعل صاحباه يبكيان من بعيد فقالت لهما المرآة: مما تبكيان من بعيد، فقصا عليها القصة وذكرها عبادته وزهده وصلاحه، فلما سمعت رق قلبها إلى الإسلام فأسلمت هي وولداها فقال الشيخ أبو محمد: سبحان الله مات من كان مسلماً على الكفر وأسلم من كان كافراً، فلذلك ينبغي أن يخاف المسلم عاقبة أمره ويسأل الله حسن الخاتمة ولله در القائل:
سبحان من خلف الأشياء وقدرها ... ومن يجود على العاصي يستره
يخفي القبيح ويبدي كل صالحة ... ويغمر العبد إحسانا ويشكره
ويغفر الذنب للعاصي ويقبله ... إذا تاب وبالغفران يجبره
ومن يلوذ به في دفع نائبة ... يعطيه من فضله عزاً وينصره
ولا يضيع مقالاً لمجتهد ... في ماله بل يربيه ويدخره
ومن يكن قلبه من ذنبه فاسداً ... فبالمدامع والتقوى طهره
فليس للعبد تصريف وأن له ... مولاه إن شاء يغنيه ويفقره
فلا الحذار ينجي العبد من قدر ... يريده الله وأمر يدبره
فنسأل الله حقاً حسن خاتمة ... عند الممات وصفواً لا يكدره
وعن أبي يزيد البسطامي -رحمه الله- أنه كان إذا توضأ وقعت الزلزلة على أعضائه إلى أن يقوم إلى الصلاة ويكبر فيسكن عنه ذلك، فقيل في ذلك فقال: أخاف أن تدركني الشقاوة فأخطي إلى كنائس اليهود والنصارى وبيعهم، فتعوذ بالله من مكر الله.
وعن سفيان الثوري -رحمه الله- أنه خرج إلى مكة حاجاً فكان يبكي من أول الليل إلى آخره في المحمل فقال له شيبان الراعي: يا سفيان، فما بكاؤك فإن كان لأجل

الصفحة 299