كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

بعضهم بقوله:
إني بليت بأربع ما سلطوا ... إلا لعظم بليتي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى ... كيف السبيل وكلهم أعدائي
فكأنه أشار بأخذه لهذه الطيور ووضعها على الجبال أن ينفي عنه ما أتصف كل واحد منها من هذه الأعداء الأربعة، فأشار بالطاووس إلى نفي نية الدنيا لأنه أكثر الطيور زينة، وأشار الغراب إلى نفي الحرص لأنه أكثر الطيور روضاً، وأشار بالديك إلى نفي الشهوة لأنه أكثر الطيور شهوة، وأشار بالنسر إلى نفي العجب لأنه أكثر الطيور عجباً، فكأنه تعالى بقوله: خذ هذه الأربعة واجعل كل منها على جبل، فالحرص على جبل الترك، والزينة على جبل الزهد، والعجب على جبل التواضع، والشهوة على جبل الإخلاص.
فائدة في أحكام هذه الطيور: أما الطاووس فهو طائر معروف في طبعه العفة وحب الزهو والخيلاء والإعجاب بريشة، يلقي ريشة في الخريف كما يلقي الشجر ورقة، فإذا بدأ طلوع الأوراق من الشجر طلع ريشة، ومع حسنة يتشأم به ونكره الناس إقامته في البيت.
وسببه: أنه لما كان سبباً لدخول إبليس الجنة وخروج آدم منها، وسبباً لخلو تلك الدار من آدم مدة دوام الدنيا كرهت أقامته في الدور، وكان غير مبارك فيها، ويحرم أكله لخبث لحمه، ويصح بيعه للتفرج على لونه.
وأما الديك فكنيته أبو اليقظان ويسمى الأنيس والموأنس، وقد ذكر العلماء أنه يجوز الاعتماد على الديك المجرب في أوقات الصلوات، وكانت الصحابة يسافرون معهم بالديك تعرفهم أوقات الصلاة.
ويحل أكله ويكره سبه كما روى أحمد وأبو داود وابن ماجة عن زيد بن خالد الجهني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة» (¬1)
حديث إسناده جيد.
¬_________
(¬1) أخرجه أبو داود (4/327، رقم 5101) عن زيد بن خالد الجهني.
وأخرجه أيضاً: النسائي في السنن الكبرى (6/234، رقم 10781) ، وأحمد في مسنده (5/192، رقم 21723) ، والحميدي في مسنده (2/356، رقم 814) ، والطيالسي في مسنده (ص 129، رقم 957) ، وعبد بن حميد (1/117، رقم 278) ، والطبراني في المعجم الكبير (5/240، رقم 5210) ، وأبو الشيخ في العظمة (5/1758) ، والبيهقي في شعب الإيمان (4/299، رقم 5172) .

الصفحة 319