كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

خاص بالمشبه به، وهو البناء ويسمى ذلك استعارة بالكناية.
ووجه انحصار الإسلام في الخمسة المذكورة: أن العبادة إما قولية وهي الشهادتين، وغير قولية، وغير القولية إما روحي وهو الصوم، وإما فعلي وهو الصلاة، وإما مالي وهو الزكاة أو مركب منهما، وهو الحج.
وقدم - صلى الله عليه وسلم - الشهادتين على باقي الأركان لأنهما الأصل لبقية الأركان، لتوقف كل من الصلاة والزكاة وغيرهما عليهما، فقطب الأركان ومدارها على الشهادة فهما مكفرات للذنوب، وشفاء للقلوب من الأمراض والعيوب (¬1) .
لطيفة: مرض الشبلي فأرسل له الخليفة طبيباً نصرانياً وأوصاه به فعالجه فازداد مرضه، فتحير النصراني وقال للشبلي: يا شيخ المسلمين لو علمت أن شفاك في قطع عضو من أعضائي لفعلت فقال: شفائي في قطع زنارك فقطعه وأسلم، فوثب الشبلي كأن لم يكن به مرض، فلما سمع الخليفة قال: ظنت أني أرسلت الطبيب إلى المريض، وإنما أرسلت المريض إلى الطبيب.
لطيفة أخرى: قال الجنيد قدس الله روحه: خرجت يوماً من الأيام إلى الحج إلى بيت الله الحرام ووجهت الناقة إلى جهة الكعبة، فتحولت إلى طريق القسطنطينية فرددتها نحو الكعبة، فتحولت نحو المدينة المذكورة، فتركتها وقلت في نفسي: لله في هذا سر عظيم خفي، وقلت: إلهي وسيدي ومولاي ليس لي حيلة إن كنت تريد أن تزودني عن بيتك فالأمر إليك كله لك، وجعلت الناقة تسير سيراً سريعاً حتى دخلت
¬_________
(¬1) قال ابن حجر في فتح الباري (1/118) : وقع هنا تقديم الحج على الصوم، وعليه بنى البخاري ترتيبه، لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج، قال: فقال رجل: والحج وصيام رمضان. فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى، إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس، أو حضر ذلك ثم نسيه، ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - على الوجهين، ونسي أحدهما عند رده على الرجل، ووجه بعده أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي، كيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج، ولأبي عوانة -من وجه آخر عن حنظلة- أنه جعل صوم رمضان قبل، فتنويعه دال على أنه روي بالمعنى.
ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة، أفيقال: إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه؟ هذا مستبعد، والله أعلم.

الصفحة 338