كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

البلد فرأيت أهلها في قيل وقال، فسئلت عن ذلك فقيل: إن ابنة الملك قد أصابها الجنون، وهم يطلبون لها طبيباً يداويها فقلت في نفسي وعزة ربي لهذا صرفت عن بيته في هذا العام فقلت: أنا أداويها فأدخلوني فنادت من داخل الباب: يا جنيد كم تجذبك الناقة إلينا وأنت تردها، فلما رأيتها فإذا هي من أجمل النساء، والفل في عنقها ورجليها فقالت: ما أحسنك من طبيب يا طبيب القلوب صف لي صفة ننجو بها من الكروب قال: فقلت لها: قولي: لا إله إلا الله محمد رسول الله فرق صوتها ذلك فسقط الفل من عنقها ورجليها فقال أبوها: ما أحسنك من طبيب فداوني بدوائك، فقلت له: قل كما قالت، فأسلم وأسلم معه خلق كثير، ثم أتت أمها وفرحت وأسلمت وأسلم كل من كان في البلد معهم، قال الجنيد: فحمدت الله على ذلك وعزمت على الخروج، فقالت الجارية: يا جنيد لا تعجل بالخروج فإني سألت الله أن يتوفاني وأنت حاضر حتى تصلي على وتحضر جنازتي، ثم تشهدت وخرت ميتة رحمة الله تعالى عليها، ولله در من قال:
يا منقذ الجهالة من ظلماتها ... يا خير من حطت النزال
من ذاق حبك لم يزل متلهجاً ... أنت الإله القادر الفعال
انشأتني وهديتني ورحمتني ... فاغفر فأنت المنعم المفضال
ومننت منك تفضلاً وتكرماً ... أنت الإله وما عداك محال
وروي أن الفرزدق الشاعر كان مقصراً في طاعة الله، فماتت زوجته فخرج في جنازتها وجهاء البصرة وفيهم الحسن، فلما دفنت قام الفرزدق على قبرها يقول:
إذا جاء يوم القيامة قائداً ... عنيفاً وسواقاً ليسوق الفرزدق
أخاف وراء القبر إن لم تعاقبني ... أشد من القبر التهاباً وأضيفا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى النار مغلول القلادة أزرقا
فلما فرغ ونهض الناس لينصرفوا قال الفرزدق للحسن: يا أبا سعيد أما تسمع ما يقول الناس؟ قال: ما يقولون؟ قال يقولون: اجتمع في بهذه الجنازة خير الناس وشر الناس يعنوك ويعنوني، فقال الحسن: ما أنا بخيرهم وما أنت بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم فقال: شهادة إن لا إله إلا الله منذ ستين سنة فبكى الحسن ثم التزمه وقال له الفرزدق: لقد كنت من أبغض الناس إلي، وإنك اليوم من أحب الناس إلي.
بشارة: ورد في الحديث «إن العبد إذا قال لا إله إلا الله يصعد بها الملك إلي السماء فيتقبله في السماء ملك آخر فيقول: من أين؟ فيقول: وأنت إلى أين؟ فيقول

الصفحة 339