كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كسى مسلماً ثوباً لم يزل في ستر الله ما دام عليه منه خيط أو سلك» (¬1) رواه الحاكم.
ولكونها قنطرة الإسلام شدد الله على المقصرين بقوله العزيز: ?وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ? [التوبة: 34، 35] .
قال ابن عمر كل مال تؤدي زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً، وكل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز، وإن لم يكن مدفوناً.
ومعنى قوله: ?وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ? لا يخرجون الزكاة عنها، قال العلماء الأعلام: على الإنسان ولا أثم عليه إذا كان معه مال كثير وأخرج عنه الزكاة الواجبة فيه فقد قال عبد بن الله بن عمر: ما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهباً أعلم عدده وزكاته وأعمل بطاعة الله فيه.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم المال الصالح للرجل الصالح» (¬2)
فالمال الصالح هو
¬_________
(¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/217، رقم 7422) عن حصين قال: كنت عند ابن عباس فجاء سائل فسأل فقال له ابن عباس: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: وتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، وتصلي الخمس؟ قال: نعم، قال: وتصوم رمضان؟ قال: نعم، قال: أما أن لك علينا حقاً، يا غلام اكسه ثوباً فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(¬2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 112، رقم 299) عن موسى بن علي قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمرو بن العاص قال: بعث إليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرني أن آخذ علي ثيابي وسلاحي، ثم آتيه ففعلت، فأتيته وهو يتوضأ فصعد إلى البصر ثم طأطأ ثم قال: «يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله، وأرغب لك رغبة من المال صالحة» قلت: إني لم أسلم رغبة في المال إنما أسلمت رغبة في الإسلام فأكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده (4/197، رقم 17798) ، وابن حبان في صحيحه (8/6، رقم 3210) ، والطبراني في المعجم الأوسط (9/22، رقم 9012) ، والبيهقي في شعب الإيمان (2/91، رقم 1248) ، والديلمي في الفردوس (4/257، رقم 6757) جميعاً عمرو بن العاص.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/64) تعليقاً على هذا الحديث: رواه أحمد، وقال كذا في النسخة «نعما» بنصب النون وكسر العين، قال أبو عبيدة: بكسر النون والعين، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط وقال فيه: «ولكن أسلمت رغبة في الإسلام، وأكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «نعم ونعما بالمال الصالح للمرء الصالح» ، ورواه أبو يعلي بنحوه، ورجال أحمد وأبي يعلي رجال الصحيح.

الصفحة 344