كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

خراساني حنفي المذهب يسأل الشافعية عن مسألة المصراة وطالب بالدليل فقال له شخص من الشافعية: الدليل عليها ما في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصرو الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر» (¬1) فقال الشاب الحنفي: أبو هريرة غير مقبول الحديث، قال القاضي: فما أتم كلامه حتى سقطت عليه حيه عظيمة من سقف الجامع فهرب الناس، وتبعت الشاب دون غيره فقيل له: تب تب فقال: تبت فغابت الحية، كأن لم يكن لها أثر.
يحتمل أن تكون هذه الحية ملكاً تشكل في صورة الحية وجاء ناصراً لأبي هريرة - رضي الله عنه - كرامة له، فقد أيد الله نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - كثيراً بذلك.
فقد ذكر العلماء من ذلك: أن أبا جهل لعنه الله اشترى من رجل جملاً وماطله، فأتى الرجل نادى قريش مستعيناً بهم في تخليص ثمن الجمل فأحالوه على النبي - صلى الله عليه وسلم - استهزاء وقالوا له: إذهب إلى محمد يخلص حقك منه، فجاء الأعرابي إليه - صلى الله عليه وسلم - وقص عليه قصته مع أبي جهل فمضى معه النبي - صلى الله عليه وسلم - فطرق باب أبي جهل فخرج فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصل له دهشته ورعب، فأوسعه إلا أن قال أهلاً بأبي القاسم فقال: «إعط هذا حقه» فأعطاه من فوره، فحدث قومه فقال: إني رأيت ما لم تروا رأيت والله على رأسي تنيناً فاتحاً فاه ولو أبيت لالتهمني.
ومن نصرة الله لنبيه أن معمر بن زيد كان أشجع قومه استعانت به قريش وشكوا إليه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان شجاعاً مطاعاً فقال لهم: إني قادم عليكم بعد ثلاثة أيام أريحكم منه، وعندي عشرون ألف مقاتل فلا أرى هذا الحي من بني هاشم يقدر على حربي، وإن سألوا الدية أعطيتهم عشر ديات ففي مالي سعة، وكان يتقلد بسيف طوله سبعة أشبار في عرض شبر، وقصته في العرب مشهورة بالشجاعة والبأس، فلبس سلاحه ولبس درعين، وجاء في اليوم الذي واعد قريشاً فرآهم في الحطيم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجحر يصلي وقد عرفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما التقت ولا تزعزع ولا قصر في صلاته فقالت قريش لعمر بن زيد: هذا محمد ساجد فسل سيفه واقبل نحوه فلما دنى منه وإذا به قد رمى سيفه ورجع مسرعاً مهرولاً، حتى وصل إلى باب الصفا عثر بدرعه فسقط، فقام وقد أدمى وجهه بالحجارة التي سقط عليها وهو يعدو كأشد
¬_________
(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (2/755، رقم 2041) ، ومسلم في صحيحه (3/1159، رقم 1524) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 356