كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

ذلك عظيم فإنه يمكن أن يؤدي الإنسان بكتابة الماضين والموجودين والحادثين كما يؤدي بلسان ذلك.
وهذا الذي قاله - رضي الله عنه - أخذه من قولهم المشهور: القلم أحد اللسانين، بل ربما يترتب على الكتابة من الضرورة والنكاية عظيم ما يترتب على النطق باللسان، كما يقع ذلك من شهود الزور، ومن دواوين الملوك، ومن الموقعين عند القضاء، أما الشهود فهم قوم غالب المعاش وحقوق الناس متعلقة بكتابتهم، فإذا كتب الشاهد على شخص مسطور بمبلغ من الدراهم مثلاً لشخص آخر، والحال أنه ليس عليه من ذلك الحق شيء، بل زود عليه كثير من الفساق الذي يبيع دينه بدنيا غيره فقد ضره وآذاه بشهادته، وكتابته الزور ضرراً أعظم من ضرر النطق باللسان فكيف مثل هذا الشاهد المزور القيامة بين يدي الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية، وقد نص العلماء على أن قول الزور من الكبائر والكتابة قائمة مقام ذلك قال الله تعالى: ?وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ? [الفرقان: 72] ، وجاء في حديث: «لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار» (¬1) قال العلماء: شاهد الزور ارتكب ذنوباً:
أحدها: الكذب والافتراء على من شهد عليه والله تعالى يقول في كتابه ?إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ? [غافر: 28] .
وثانيها: أنه ظلم الذي يشهد عليه حتى أخذ بشهادته ماله وعرض روحه للهلاك.
وثالثها: أنه ظلم الذي شهد له، بأن ساق له المال الحرام فأخذه ووجبت له النار قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قضي له من مال أخيه بغير حق فلا يأخذه، فإنما اقتطع قطعة من النار» .
ورابعها: أنه أباح ما حرم الله ومعصيته من المال والدم والعرض وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت» (¬2) متفق عليه.
وقد ذم الشهود جماعة من الصالحين ونظموا فيها أبياتاً: قال سفيان الثوري: الناس
¬_________
(¬1) أخرجه أبو يعلى في مسنده (10/39، رقم 5672) ، والطبراني في المعجم الأوسط (8/191، رقم 8367) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (7/264) عن ابن عمر.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/336) : في إسناده محمد بن الفرات وهو كذاب.
(¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (2/939، رقم 2511) ، ومسلم في صحيحه (1/91، رقم 87) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه.

الصفحة 373