كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» (¬1) . قال الترمذي: حديث حسن.
وحصائد الألسن ما حصلة الإنسان واكتسبه من الإثم بالكلام فيما لا ينفع، وهذا الكلام استفهام إنكاري تقديره: ما يكب الناس إلا حصائد ألسنتهم.
فإن قيل: هذا الحديث يقتضي أن كل من يكب في النار فسبب كبه فيها اللسان مع أن بعض الناس يكب في النار بعمله لا بلسانه؟
فالجواب: أنه عام قيد خاص.
فائدة: قال ابن القيم في كتابه أقسام القرآن: فإن قيل: ما الحكمة في جعل الله سبحانه وتعالى اللسان عضواً لحمياً لا عظم فيه ولا عصب؟
ثم أجاب بإذن الله خلقه كذلك لتسهل حركته، ولهذا لا تجد في الأعضاء من لا يكترث بكثرة الحركة سواه، فأي عضو من الأعضاء حركته كما يحرك اللسان لم يطاوعك كما يطاوعك اللسان، بل لابد أن يحصل التعب والملل إلا اللسان فلو كان عظماً لم ينتهي منه الكلام التام ولا الذوق التام.
ثم قال فإن قيل: ما الحكمة في أن الله تعالى جعل على اللسان علقين أحدهما الأسنان والثاني الشفتان، وجعل على العين غطاء واحد ولم يجعل على الأذن غطاء، ثم أجاب بأنه سبحانه وتعالى جعل ذلك إشارة إلى أن آفة الكلام أكثر من آفة النظر وآفة النظر أكثر من آفة السمع، فجعل الأكثر آفات طبقتين لخطره وشرفه، وخطر حركاته، وكونه في الفم بمنزلة القلب في الصدر وجعل، للمتوسط طبقة واحدة، وجعل الأقل آفة بلا طبقة فتبنه لهذه اللطيفة الإلهية والحكمة الربانية.
وقال ابن جماعة في شرح الأربعين فإن قيل: لم تعددت العين والأذن والأنف والخد دون اللسان.
¬_________
(¬1) أخرجه الترمذي في سننه (5/11، رقم 2616) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه أيضاً: النسائي في السنن الكبرى (6/428، رقم 11394) ، وابن ماجه (2/1314، رقم 3973) ، وأحمد في مسنده (5/231، رقم 22069) ، والحاكم في المستدرك (2/447، رقم 3548) ، والطيالسي في مسنده (ص 76، رقم 560) ، وعبد بن حميد في مسنده (ص 68، رقم 12) ، والطبراني في المعجم الكبير (20/73، رقم 137) ، والبيهقي في شعب الإيمان (3/38، رقم 2806) ، وهناد في الزهد (2/529، رقم 1090) ، والديلمي في الفردوس (4/341، رقم 6986) .

الصفحة 378