كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

ثم أجاب: بأن الله صنع ذلك إشارة إلى مطلوبية قلة الكلام.
قال العلماء: في الحديث دلالة على التحذير من أذى اللسان ومن آفاته، وآفاته كثيرة لا تنحصر، وأكثر معاصي ابن آدم فيه من أقبحها وأضرها للناس وأفحشها الغيبة.
والغيبة: أن يذكر الإنسان غيره بما يكرهه وإن كان فيه، حتى أن قلت عن طويل: فلان طويل أو عن قصير: فلان قصير، وكان يكره ذلك فإنه حرام ويعد غيبة، وهي حرام سواء بلقبك أو لسانك أو خطك أو إشارتك بعين ورأس أو نحوها، وسواء كان في ماله أو ولده أو زوجته أو نحو ذلك.
والذي يدل على إنها محرمة الكتاب والسنة وإجماع الأمة قال الله تعالى ?وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ? [الحجرات: 12] .
?وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً? [الإسراء: 36] .
واختلف العلماء رضي الله عنهم فيها: هل هي من الكبائر أو من الصغائر فقال صاحب «العدة» وأقره الرافعي: أنها من صغائر الذنوب لعموم البلوى.
وقال القرطبي في تفسير القرآن: إنها من الكبائر بلا خلاف، قال الزركشي: وقد ظفرت بنص الإمام الشافعي على إنها من الكبائر فالقول: بأنها صغيرة ضعيف أو باطل.
لكن قال القاضي زكريا: يمكن حمل نص الشافعي على ما إذا أصر على الغيبة، فإنها تصير من الكبائر بلا خلاف، وكذا لو اغتاب عدلاً.
قال الشيخ ولي الله تقي الدين الحصيني: وقد يحتقر الشخص بالكلمة الواحدة من الغيبة، لكثرة إدمانه عليها، وتعود لسانه بها ومخالطته من الاعتناء له بحفظ أمر الله تعالى وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا سيما المتفقهة والصوفية، فإن غيبتهم غالباً تكون في المساجد، والربط المبنية لذكر الله تعالى وعبادته، فيرتكبون مخالفة أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أطهر البقاع مع علمهم بأن الكلمة الواحدة من الغيبة عظيم أمرها، فقد صح في الحديث أن عائشة رضي الله عنها اغتابت ضرتها صفية وقالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: حسبك من صفية إنها كذا أي: يكفيك منها إنها امرأة قصيرة فقال - صلى الله عليه وسلم -: «قلت كلمة لو مزجت

الصفحة 379