كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

وإن لم يرد غيبة أخيه، أو كان من عادته عدم اعتنائه بالدين وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا وأمثاله قد وقعوا في شر عظيم، يوجب غضب الله تعالى وغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وذكر العلماء: أن الغيبة تباح بل تجب في صور منها الفاسق المجاهر بالفسق، والمبتدع المجاهر ببدعة كشارب الخمر المجاهر به، فيجوز غيبة تلك العصبة دون غيرها إلا كان لجواز ذكره بغيرها سبب آخر.
قال في الإحياء: إلا أن يكون المجاهر بها عالما يقتدى به فتمتنع غيبته لأن الناس إذا اطلعوا على زلته تٍساهلوا في ارتكاب الذنب، وغيبة الكافر محرمة أيضاً إن كان ذمياً لأن فيها تنفير لهم عن قبول الجزية وتركاً لوفاء الذمة، ومباحة إن كان حربياً لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر حسان أن يهجوا المشركين.
ومنها: أن الإنسان إذا استشار في امرأة يريد أن يتزوجها أو امرأة في رجل تريد أن تتزوجه فيجب عليه ما ذكر فيها أو فيه من الغيبة، وليس ذكر هذا من باب الغيبة، بل من باب النصيحة، فيشترط للرجل إذا استشير في ذلك أن يذكر للخاطب أو للمخطوبة ما فيها أو فيه، على وجه النصيحة لا الوقيعة، فإن الدفع يمجرد قوله لا نفعل هذا أو لا تصلح لك فلانه، أو قال لها: لا يصلح لك فلان، أو خير لك فيه أو نحوه، ولم تجز الزيادة بذكر باقي عيوبه، وإذا استشير في أمر نفسه بالنكاح فإن كان فيه ما ثبت الخيار فيه وجب ذكره للزوجة، وإن كان فيه ما يعدل الرغبة عنه ولا يثبت الخيار كسوء الخلق والشح استحب، وإن كان فيه شيء من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه.
وتجوز الغيبة في صور أخرى غير ما ذكر، وقال حجة الإسلام الغزالي: من لم يصن لسانه وأكثر الكلام يقع لا محال في غيبة الناس كما قيل: من كثر لغطه كثر سقطه.
والغيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعة على ما قيل: إن مثل من يغتاب الناس مثل من نصب منجنيقاً لحسنات فهو يرمي بها شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً.
وبلغنا عن الحسن - رضي الله عنه - أنه قيل: له يا أبا سعيد إن فلاناً اغتابك فبعث إليه بطبق فيه رطب، وقال: بلغني أنك اهديت إليَّ حسناتك فأحببنا أن نكافئك.
وذكروا: فات بعض الصالحين قيام الليل فعزته زوجته فقال: إن أقواماً صلوا الليل البارحة، فلما أصبحوا نالوا مني فتكون صلاتهم يوم القيامة في ميزاني.
قال سفيان الثوري: لا تتكلم بلسانك ما تكسر به أسنانك.

الصفحة 381