كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

ليعادون اليوم عليَّ نحو المائة، ولقد دفنت بيدي هاتين من ولدي مائة غير اثنين، أو قال مائة واثنين.
وقال الكرماني عنه: ولقد دفنت من صلبي مائة إلا اثنين.
وأما في المال فقد نقل عنه أنه قال: فوالله إن مالي لكثير ما أعلم أحد أصاب من رخاء العيش ما أصبت، وكان له بستان يحمل الثمر كل سنة مرتين، وكان في البستان ريحان يشم منه رائحة المسك.
وأما في المغفرة فقد نقل عنه أنه قال: وأنا أرجوا الرابعة أي: المغفرة فإنها لله تعالى ليست بيد العبد.
فائدة: قال ابن قتيبة ثلاثة من أهل البصرة لم يمت أحد منهم حتى يرى مائة ولد من صلبه: أنس وأبو بكر وخليفة بن بدر.
وكنية أنس: أبو حمزة، وروي له ألفا حديث ومائتا حديث وستة وثمانون حديثاً، اتفقا على مائة وثمانية وستين، وانفرد البخاري بثلاثة وثمانين، ومسلم بإحدى وسبعين، وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية، ومناقبه جمة، وكانت وفاته بالبصرة سنة ثلاث وتسعين زمن الحجاج، ودفن في قصره على نحو فرسخ ونصف من البصرة وهو آخر من مات من الصحابة بالبصرة.
«وعن حسين المعلم (¬1)
قال حدثنا قتادة عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يؤمن (¬2)
¬_________
(¬1) قال ابن حجر في الفتح (1/129) : قوله: «وعن حسين المعلم» هو ابن ذكوان، وهو معطوف على شعبة، فالتقدير عن شعبة وحسين كلاهما عن قتادة، وإنما لم يجمعهما لأن شيخه أفردهما، فأورده المصنف معطوفاً اختصاراً، ولأن شعبة قال: عن قتادة، وقال حسين: حدثنا قتادة.
وأغرب بعض المتأخرين فزعم أنه طريق حسين معلقة، وهو غلط، فقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم الحربي عن مسدد شيخ المصنف عن يحيى القطان عن حسين المعلم، وأبدى الكرماني كعادته بحسب التجويز العقلي أن يكون تعليقاً أو معطوفاً على قتادة، فيكون شعبة رواه عن حسين عن قتادة، إلى غير ذلك مما ينفر عنه من مارس شيئاً من علم الإسناد.
وأضاف ابن حجر لطيفة في الإسناد فقال: المتن المساق هنا لفظ شعبة، وأما لفظ حسين من رواية مسدد التي ذكرناها فهو: «لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ولجاره» ، وللإسماعيلي من طريق روح عن حسين: «حتى يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير» فبين المراد بالأخوة، وعين جهة الحب. وزاد مسلم في أوله عن أبي خيثمة عن يحيى القطان: «والذي نفسي بيده» ، وأما طريق شعبة فصرح أحمد والنسائي في روايتهما بسماع قتادة له من أنس، فانتفت تهمة تدليسه.
(¬2) قال ابن حجر في الفتح (1/130) : قوله: «لا يؤمن» أي: من يدعي الإيمان، أحد، ولابن عساكر: «عبد» ، وكذا لمسلم عن أبي خيثمة، والمراد بالنفي كمال الإيمان، ونفي اسم الشيء على معنى نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم كقولهم: فلان ليس بإنسان.
فإن قيل: فيلزم أن يكون من حصلت له هذه الخصلة مؤمنا كاملا وإن لم يأت ببقية الأركان.
أجيب: بأن هذا ورد مورد المبالغة، أو يستفاد من قوله: «لأخيه المسلم» ملاحظة بقية صفات المسلم.
وقد صرح ابن حبان من رواية ابن أبي عدي عن حسين المعلم بالمراد ولفظه: «لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان» ومعنى الحقيقة هنا الكمال، ضرورة أن من لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافراً، وبهذا يتم استدلال المصنف على أنه يتفاوت، وأن هذه الخصلة من شعب الإيمان، وهي داخلة في التواضع.

الصفحة 391