كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

لأخيه ما يحب لنفسه أي: من الخير كما جاء ذلك في رواية النسائي.
و «اللام» في قوله: «لأخيه» تدل أيضاً على أن المراد: الخير والمنفعة، وكذلك قوله «ما يحب لنفسه» يدل عليه أيضاً، إذ الشخص لا يحب لنفسه إلا الخير، والخير كلمة جامعة لجميع أنواع البر والطاعات أو المباحات الدنيوية والأخروية وتخرج المنهيات.
وليس المراد بالحديث أنه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب أن يحصل لأخيه عين ما يحصل كما قاله ابن الصلاح، إذ قيام الجوهر أو العرض بمحملين محال، بل المراد حتى يحب أن يحصل لأخيه نظير ما يحصل له لا لعينه، سواء كان ذلك في الأمور المحسوسة أو المعنوية.
قال الكرماني: ومن الإيمان أيضاً أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه أي: من الشر ولم يذكره، لأن حب الشيء مستلزم بغض نقيضه، فيدخل تحت ذلك، وإما لأن الشخص لا يبغض خيراً لنفسه فلا يحتاج لذكره، وليس المراد بالأخ في هذا الحديث الأخ في النسب فقط بل المراد كل أخ في الإسلام، رجلاً كان أو امرأة تعميما للحكم، قال الله تعالى ?إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ? [الحجرات: 10] شملت الآية كل أخ سواء كان في النسب أو في الله تعالى، أو في الإسلام.
ففي الحديث دليل وحث على أنه للإنسان أن يحب لأخيه المؤمن من الخير ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكرهه لنفسه، فإن فعل ذلك فهو كامل الإيمان، وإن لم يفعله فهو ناقص الإيمان.
وقد ورد بذلك أحاديث أخر: روى الطبراني في معجمه عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أوصيك بتقوى الله فإنها رأس أمرك، وعليك بتلاوة القرآن، وذكر الله فإن ذلك لك نور في السماوات ونور في الأرض» قال قلت: زدني يا رسول الله قال: «لا تكثر من الضحك فإنه يميت القلب، ويذهب نور الوجه» قلت: زدني يا رسول الله قال: «عليك بالصمت فإنه مرد للشيطان وعون لك على أمر دينك» قلت: يا رسول الله زدني قال: «انظر إلي من هو دونك ولا تنظر إلى من فوقك، فهو أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك» قلت: يا رسول الله زدني قال: «صل قرابتك ولو قطعوك» قلت: يا رسول الله زدني قال: «لا تخف في الله لومة لائم» قلت: يا رسول الله زدني قال: «تحب للناس ما تحب لنفسك» ثم ضرب بيده على صدري فقال: «يا أبا ذر لا عقل إلا بالتدبير، ولا ورع إلا بكف النفس، ولا حسب إلا

الصفحة 393