كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

النفع له من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، على أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الإشفاعات فاستحق لذلك أن تكون محبته أفرض من غيره لأن النفع الذي تأت به المحبة حاصل أكثر من غيره.
فائدة: كل من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إيماناً صحيحاً لم يخل عن محبته - صلى الله عليه وسلم - غير أن الناس متفاوتون في تلك المحبة، فمنهم من أخذ منها بالحظ الأوفر كالصحابة رضي الله عنهم أجمعين لما فازوا من رؤية ذاته الشريفة، والاطلاع على معجزاته وأحواله فمحبتهم له أعظم من غيرهم.
ومن الناس من يكون مستغرقاً بالشهوات محجوباً بالغفلات عن ذكره، ومحبته - صلى الله عليه وسلم - أوقاته لكنه إذا ذكر - صلى الله عليه وسلم - أو شيء من فضائله اهتاج لذكره واشتاق لرؤيته، يؤثر رؤيته بل رؤية قبره ومواضع آثاره على أهله وماله وولده ووالده ونفسه والناس أجمعين، ثم يزول عن ذلك سرعة لغلبته شهوته وتوالي الغفلات، فهذا داخل فيمن أحبه - صلى الله عليه وسلم - لكن يخاف عليه بسبب غلبته الشهوات وتوالي الغفلات، من ذهاب أصل تلك المحبة.
وقد دل الكتاب والسنة على وجوب محبته - صلى الله عليه وسلم - وكثرة ثوابها وفضلها كما دل على وجوبها الحديث المذكور وقال الله تعالى ?قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ? [التوبة: 24] .
قال القاضي عياض: فيكفي بهذه الآية حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوبها وعظم خطرها واستحقاقه لها - صلى الله عليه وسلم -، إذ قرع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله: ?فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ? فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله.
وروى أنس أن رجلاً أتى للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: «ما أعددت لها؟» فقال: ما أعددت لها من كثير صوم ولا صلاة ولا صدقة، ولكن أحب الله ورسوله قال: «أنت مع من أحببت» (¬1) .
¬_________
(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري في الصحيح (3/1349، رقم 3485) ، ومسلم في صحيحه (4/2032، رقم 2639) من حديث أنس بن مالك.

الصفحة 407