كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

وورد عن صفوان بن قدامة قال هاجرت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فآتيته فقلت: يا رسول الله ناولني يدك أبايعك، فناولني يده فقلت: يا رسول أحبك، قال: «المرء مع من أحب» ، وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام ابن حجر:
وقائل هل عمل صالح ... أعددته يدفع عنك الكرب
فقلت حسبي خدمة المصطفى ... وحبه فالمرء من أحب
وروي أن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان شديد الحب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه يعرف الحزن في وجهه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما غير لونك» فقال: يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتوحش وحشة شديدة، حتى ألقاك، وإني لأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإني ذكرت موتي وموتك، فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلتها لا أراك فأنزل الله تعالى ?وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً? [النساء: 69] فدعا به قرأها عليه.
وأما محبة السلف من الصحابة والتابعين وابتاع التابعين والأئمة والأعلام فمن بعدهم له - صلى الله عليه وسلم - فقد نقل إلينا من ذلك شيء كثير.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رأني بأهله وماله» (¬1) .
ويروي أن امرأة قالت لعائشة بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اكشفي قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكشفته لها فبكت حتى ماتت.
وسئل على بن أبي طالب - رضي الله عنه - كيف كان حبكم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ.
وخرج عمر ليلة فرأى مصباحاً في بيت وإذا عجوزاً تنفش صوفاً، وتقول:
على محمد صلاة الأبرار ... صلى عليه الطيبون الأخيار
قد بكيت بكاء في الأسحار ... يا ليت شعري والمنايا أطوار
هل تجمعني وحبيبي الدار
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه (4/2178، رقم 2832) ، وأحمد في مسنده (2/417، رقم 9388) ، والخطيب في تاريخ بغداد (5/358)

الصفحة 408