كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

الماء البارد.
وقال أنس بن مالك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحب الله فليحبني ومن أحبني فليحب أصحابي، ومن أحب أصحابي فيلحب القرآن، ومن أحب القرآن فليحب المساجد فإن المساجد أبنية الله، وأبنية أذن الله برفعها وتطهيرها، بارك فيها فهي ميمونة بأهلها فهم في صلاتهم والله تعالى في قضاء حوائجهم، وهم في مساجدهم والله تعالى في حج مقاصدهم» (¬1) .
وعن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى: إذا أحب عبداً نادى جبريل» (¬2) ، وفي رواية: إن جبريل ينادى في أهل السماء والأرض، إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فعند ذلك يلقي حبه في الأرض، ويقع في الماء فيشربه البر والفاجر فيحبه البر والفاجر، وإذا بغض الله عبداً أمر الله تعالى جبريل أن ينادي بالعكس من ذلك فيبغضه البر والفاجر.
وكان أبو يزيد البسطامي يقول في مناجاته: إلهي لست أعجب من حبي لك، وأنا عبد حقير، وإنما أعجب من حبك لي وأنت رب جليل، تحب عبداً ذليلاً.
وجرت مسألة المحب بين الشيوخ بمكة، فتكلموا فيها ثم قالوا للجنيد: هات ما عندك يا عراقي فقال: المحب عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه ناظراً إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هويته، وصفا شربه من كأس وده بالله، وإن نطق فمن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله، فبكى المشايخ.
قال ابن الجوزي: من ادعى أربعاً من غير أربع فهو كذاب: من ادعى حب الجنة ولم يعمل بالطاعة فهو كذاب، ومن ادعى خوف النار ولم يترك المعصية فهو كذاب، ومن ادعى حب الله تعالى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولا يجالس الفقراء والمساكين فهو كذاب، ومن ادعى حب الله تعالى وهو يشكو لأحد من البلاء فهو كذاب.
من أطاع الله تعالى وأحبه عاش، ومن التفت إلى الخلق حجب عن الحق، ومن أقبل على غير الله سقط من عين الله، ومن بذل نفسه لله وصل إلى الله، ومن وصل إلى الله عرف الله، ومن ألف إلى الله نظر بقلبه إلى الله، ومن كان يعرف مولاه وقدرته
¬_________
(¬1) لم نقف عليه.
(¬2) سبق تخريجه.

الصفحة 414