كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

«تعترونه» أي: تختلقونه.
«بين أيدكم وأرجلكم» فإن قيل: كيف أضاف - صلى الله عليه وسلم - البهتان إلى الأيدي والأرجل مع أنها لا مدخل لها في البهتان، فإنه يكون باللسان فقط؟
أجيب عنه بأوجه:
منها: أن البهتان ناشئ عما يختلقه القلب الذي هو بين الأيدي والأرجل، ثم يبرزه بلسانه (¬1) .
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا تعصوا في معروف» (¬2) قال في النهاية: «المعروف اسم جمع
¬_________
(¬1) شرح الحافظ ابن حجر هذه الجملة شرحاً بديعاً في الفتح (1/141) حيث قال: قوله: «ولا تأتوا ببهتان» البهتان: الكذب يبهت سامعه، وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال تقع بهما، إذ كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي، وكذا يسمون الصنائع الأيادي، وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال: هذا بما كسبت يداك.
ويحتمل أن يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحاً وبعضكم يشاهد بعضاً، كما يقال: قلت كذا بين يدي فلان، قاله الخطابي، وفيه نظر لذكر الأرجل.
وأجاب الكرماني: بأن المراد الأيدي، وذكر الأرجل تأكيداً، ومحصله أن ذكر الأرجل إن لم يكن مقتضياً فليس بمانع.
ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأيدي والأرجل القلب لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه، فلذلك نسب إليه الافتراء، كأن المعنى: لا ترموا أحداً بكذب تزورونه في أنفسكم ثم تبهتون صاحبه بألسنتكم.
وقال أبو محمد بن أبي جمرة: يحتمل أن يكون قوله: «بين أيديكم» أي: في الحال، وقوله: «وأرجلكم» أي: في المستقبل، لأن السعي من أفعال الأرجل.
وقال غيره: أصل هذا كان في بيعة النساء، وكني بذلك -كما قال الهروي في الغريبين- عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلتقطه إلى زوجها، ثم لما استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أولاً. والله أعلم.
(¬2) إلى هنا انتهت المنهيات المبايع عليها وقد يسأل سائل لما نص على المنهيات دون المأمورات وقد تكلم على هذه المسألة الحافظ ابن حجر فقال: فإن قيل: لم اقتصر على المنهيات ولم يذكر المأمورات؟
فالجواب: أنه لم يهملها، بل ذكرها على طريق الإجمال في قوله: «ولا تعصوا» إذ العصيان مخالفة الأمر.
والحكمة في التنصيص على كثير من المنهيات دون المأمورات: أن الكف أيسر من إنشاء الفعل، لأن اجتناب المفاسد مقدم على اجتلاب المصالح، والتخلي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل.
انظر الفتح (1/142) .

الصفحة 430