كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

وجب قتل القاتل في الدنيا لأجل إرداع غيره وزجره.
قال ابن حجر: هذا القول مردود بأن المقتول وصل إليه حق وأي حق وهو تكفير الخطايا والذنوب عنه بالقتل ظلماً فقد ورد: «إن السيف محاء للخطايا» (¬1) أخرجه ابن حيان وغيره وصححوه، فلولا القتل ما كفرت ذنوبه، فأي حق يصل إليه أعظم من هذا، فالصواب عدم المطالبة في الآخرة، خصوصاً إن مات عن توبة.
ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه» في هذا دلالة وإشارة إلى أنه لا يجب على الله عقاب عاص وإذا لم يجب عليه هذا لا يجب عليه ثواب المطيع أيضاً.
وفيه دلالة على أن الإنسان إذا ارتكب كبيرة ومات ولم يتب منها فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه.
وبطل به قول المعتزلة: أنه يجب على الله تعذيب العاصي إذا مات بلا توبة، وقول الخوارج الذين يكفرون العبد بارتكابه للكبائر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أخبر أنه تحت المشيئة ولم يقل: إنه يعذب كما تقوله المعتزلة أو يكفر كما تقوله الخوارج (¬2) .
وحاصل الحديث من مات صغيراً أو كبيراً ولا ذنب له بأن مات عقب بلوغه أو عقب توبته أو عقب إسلامه قبل إحداث معصية فهو محكوم له بالجنة بفضل الله
¬_________
(¬1) أخرجه أحمد في مسنده (4/185، رقم 17693) ، وابن حبان في صحيحه (10/519، رقم 4663) ، والدارمي في سننه (2/272، رقم 2411) ، والطبراني في المعجم الكبير (17/125، رقم 310) ، وفي مسند الشاميين (2/116، رقم 1023) ، والطيالسي في مسنده (ص 178، رقم 1267) ، وابن المبارك في الجهاد (ص 30، رقم 7) ، وابن أبي عاصم في كتاب الجهاد (ص 370، رقم 131) ، والبيهقي في السنن الكبرى (9/164، رقم 18304) عن عتبة بن عبد السلمي، وفي بعض المصادر الأسلمي.
(¬2) قال ابن حجر في الفتح (1/146) : قوله: «إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه» يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب، وقال بذلك طائفة، وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقي عليه مؤاخذة، ومع ذلك فلا يأمن مكر الله لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أو لا.
وقيل: يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب، واختلف فيمن أتى ما يوجب الحد، فقيل: يجوز أن يتوب سراً ويكفيه ذلك، وقيل: بل الأفضل أن يأتي الإمام ويعترف به، ويسأله أن يقيم عليه الحد كما وقع لماعز والغامدية.
وفصل بعض العلماء بين أن يكون معلنا بالفجور فيستحب أن يعلن بتوبته وإلا فلا.

الصفحة 433