كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

يفعل ذلك لأجل إحراز دينه وسلامته من الكدورات التي تحصل من خلطة الناس.
وإنما خص - صلى الله عليه وسلم - الغنم بكونها خير مال المسلم لما فيها من السكينة والبركة.
فائدة: الغنم اسم جنس لا واحد له من لفظه يقع على الذكر والأنثى، وهو صادق على الضأن والمعز واتفق العلماء على أن الضأن أفضل من المعز كما صرحوا بذلك في الأضحية فإنهم قالوا: الضأن في الأضحية أفضل من المعز.
قال النووي في منهاجه: وأفضلها بعير ثم بقرة ثم ضأن ثم معز ولأن الله في كتابه العزيز بدأ يذكر الضأن فقال: ?مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ? [الأنعام: 143] وتقديم الشيء على غيره يدل على تفضيله عليه، فالبركة في الضأن أيضاً أكثر من البركة في المعز، فإن الضأن تلد في السنة مرة والمعز تلد مرتين وتثني وتثلث، والموجود من الضأن أكثر.
أيضاً قالوا: إن الضأن إذا رعت شيئاً من الكلأ فإنه ينبت عوضه وإذا رعته المعز لا ينبت عوضه، ولحم الضأن أطيب وانفع من لحم المعز.
قال في الطب النبوي: إن أكل لحم المعز يحرك السوداء ويورث النسيان والدم ويورث الهم ويخبل الأولاد، وهو قليل الحرارة يابس وخلطة المتولد منه ليس بفاضل وليس يجيد الهضم ولا محمود الغذاء، ولحم التيس شديد اليبس مطلقاً، ولا سيما المسن فيه، وإناث الماعز أنفع من ذكوره، بخلاف الضأن فإنه حار رطب يولد الدم المحمود القوي، يصلح لإخصاب الأفرجه الباردة والمعتدلة، ولأهل الرياضيات التامة في المواضع والفصول الباردة، يقوي الذهن والحفظ وأجوده لحم الذكر الأسود، فإنه أخف وألذ وأنفع، والخصي أنفع من غيره، والأيمن من الحيوانات أخف وأجود من الأيسر والمقدم أفضل من المؤخر.
ففي الحديث دلالة على أن اقتناء الغنم أفضل من اقتناء غيرها لبركتها أو كثرة نفعها، فإذا أراد الإنسان أن يقتني شيئاً من الحيوانات لينتفع به فاقتناء الغنم أفضل من اقتناء الإبل والخيل وغيرهما، ويدل ذلك ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: «السكينة والوقار في أهل الغنم والفخر والخيلاء في أهل الإبل» (¬1) ، وفي رواية: «في أهل الخيل والوبر» (¬2) .
¬_________
(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (4/1594، رقم 4127) ، ومسلم في صحيحه (1/73، رقم 52) من حديث أبي هريرة.
(¬2) هذه الرواية عند مسلم في الصحيح (1/72، رقم 53) ، وأحمد في مسنده (2/450، رقم 9812) ، وابن حبان في صحيحه (16/280، رقم 7291) ، وأبو يعلى في مسنده (11/226، رقم 6340) ، وابن منده في الإيمان (1/524، رقم 428) ، والديلمي في مسند الفردوس (3/101، رقم 4280) عن أبي هريرة.

الصفحة 439