كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

وقيل: هي حياة القلب مع الله.
وقيل: نسيان غير الله، وقد دل على فضلها ومدحها الكتاب والسنة، قال الله تعالى: ?وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ? [الأنعام: 91] أي: ما عرفوا حق معرفته، وقال: ?وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ? [المائدة: 83] .
وجاء في الحديث عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن دعامة البيت أساسه، ودعامته الدين المعرفة بالله تعالى» .
وقد تكلم المشايخ الصوفية فيها، فكل منهم نطق بما وقع له منها، وأشار إلى ما وجده منها في وقته.
قال الأستاذ أبو علي الدقاق: من أمارة المعرفة بالله حصول الهيبة من الله تعالى فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته منه، ومن ازدادت هيبته استقامت حالته، وعظمت بين الخليقة حرمته.
وقال الشبلي (¬1) : ليس للعارف بالله علاقة أي: حظ في غير مولاه.
وقال بعضهم: من عرف الله انقطع بل خرس وانقمع.
وقال آخر: من كان بالله اعرف كان له أخوف.
وقال بعضهم: من عرف الله تبرم بالبقاء أي: كره البقاء، وضاقت عليه الدنيا بسعتها.
قال بعضهم: للعارف أمارة وهي: قلبه إذا نظر فيها تجلي فيها مولاه.
وقال ذا النون المصري: ركضت أرواح الأنبياء في ميدان المعرفة، فسبقت روح نبينا - صلى الله عليه وسلم - أرواح الأنبياء إلى روضة الوصال.
وقال أيضاً: معاشرة العارف كمعاشرة الله تعالى في أن يحتملك ويحلم عنك تخلقاً بأخلاق الله تعالى، فمتى صحبته وعفا عن كل ذنب يكون منك زال عنك برؤيته الفتور والكسل، وتخلقت بأخلاقه الحميدة.
واختلف العلماء في أول واجب على المكلف فالجمهور على أن واجب على المكلف معرفة الله لأنها أصل لسائر الأعمال الواجبة، إذ لا يصح بدونها واجب، بل
¬_________
(¬1) الشبلي هو: دلف بن جحدر الشبلي: ناسك، كان في مبدأ أمره والياً في دنباوند من نواحي رستاق الري، وولي الحجابة للموفق العباسي، وكان أبوه حاجب الحجاب، ثم ترك الولاية وعكف على العبادة، فاشتهر بالصلاح، وله شعر جيد، ومتفرقات في آداب السلوك تناقلها الناس، سلك به مسالك المتصوفة، مولده سنة: 247هـ‍، وأصله من خراسان، ونسبته إلى قرية شبلة من قرى ما وراء النهر،، ووفاته ببغداد سنة: 334هـ‍، واختلف في اسمه ونسبه، فقيل: دلف بن جعفر، وقيل: جحدر بن دلف، وقيل: دلف ابن جعترة، وقيل: دلف بن جعونة وقيل: جعفر ابن يونس.

الصفحة 457