كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

للملائكة، والمعنى ثم يقول الله بعد إدخال عصاة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى النار لملائكته: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبه من خردل من إيمان.
ويجوز أن تكون همزة وصل ويكون الخطاب للعصاة الذين أدخلهم الله النار، والمعنى: أخرجوا من النار من في قلبه مثقال حبة من خردل إيمان، وإنما أتى «بحبه الخردل» دون غيرها من البذورات لأنها في غاية الصغر، فلهذا يشبه بها للبالغ في القلة أي: أخرجوا من النار من بلغ إيمانه إلى غاية القلة، بحيث لا يكون فيها أحد إيمانه أقل من منه، هذا دليل على أنه لا يبقى في النار من أهل الإيمان من العصاة أحد من قل إيمانه أو كثر، تفضلاً منه سبحانه وكرماً.
وكم من عاص تفضل الله عليه وعفا عنه وسامحه، من غير سبق عذاب في البرزخ ولا في الآخرة، بل عامله بحسن ظن فأدخله الجنة.
لطيفة: روي عن إبراهيم بن أدهم قال: بينما أنا أمشي في بعض الأذقة، وإذا امرأة تحمل ميت والناس يرجمونه بالحجارة، فقلت لها: ما يكون هذا الميت قالت ولدي وكان يعصي الحق ولا يستحي من الخلق، فلما حضره الموت سمعته يقول: يا محسنا لمن رجاه، يا من لا يهتك عبداً عصاه، فلما مات هجره الخلق ورجموه، فلا أدري كيف أتجه به، فقلت: أنا أحمله وأصلي عليه، فحملته معها فجهزناه ودفناه، فمضت أمه، فتفكرت أنا عند قبره فأخذتني سنة النوم، فرأيت ملكين قد نزلا عليه فانشق القبر فأجلساه وشم أحدهما جميع مفاصله فقال: لرفيقه ما في جسده مثقال حبة من خير فقال رفيقه: ربه أعلم به فنوديا: شقا قلبه، فخرج منه شامة بيضاء تتلألأ كالقمر، فنوديا: يا أيها الملكان هذه شهادة أن لا إله إلا الله، توفى عليها، وهو يرجوني ويقصدني فيكف أخيب من قصدني.
فإن قيل: من أين تعرف الملائكة العصاة الذين أدخلوا النار وفي قلوبهم مثقال حبة من خردل من خردل حتى يخرجوهم والإيمان أمر قلبي؟
فالجواب: أن الله تعالى يجعل له علامات يعرفون بها، كما يعلمون بأنهم من أهل التوحيد بعلامات السجود.
وقوله: «فيخرجون منها قد اسودوا» أي: صاروا سود كالحمم من آثار النار.
«فيلقون في نهر الحياء» أي: في نهر المطر (¬1) .
¬_________
(¬1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/153) : قوله: قوله: «في نهر الحياء» كذا في هذه الرواية بالمد، وفي غيرها بالقصر، وبه جزم الخطابي وعليه المعنى، لأن المراد كل ما به تحصل الحياة، والحيا بالقصر هو المطر، وبه تحصل حياة النبات، فهو أليق بمعنى الحياة من الحياء الممدود الذي هو بمعنى الخجل.

الصفحة 467