كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

المثيرة، فتهب على وجوههم فتمحوا الكتابة أي: ما هو مكتوب بين أعينهم.
فقد روي عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه أخرج كتاباً من تحت العرش، إن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين، قال: فيخرج من النار مثل أهل الجنة أو قال مثلي أهل الجنة، مكتوب بين أعينهم عتقاء الله» .
وقوله: «مثقال حبة من خردل من إيمان» المثقال من الذهب عند الفقهاء عبارة عن اثنين وسبعين شعيره، فإن قيل: الإيمان عرض فكيف يوزن؟
فالجواب: أن هذا مثل، فيكون عياراً في المعرفة لا في الوزن، لأن الإيمان ليس بجسم فيوزن، ولكن ما يشكل من المعقول يرد إلى المحسوس ليفهم، ويشبه ليعلم.
وقيل: الذي يوزن إنما هي الصحف المشتملة على الأعمال.
ويستفاد من الحديث أنواع من العلوم:
منها: إثبات دخول طائفة من عصاة الموحدين النار، وهذا أمر دلت عليه النصوص الظاهرة، وأجمع عليه من يعتد به، ولهذا لا يجوز كما قاله ابن عبد السلام وغيره أن يقول الإنسان في الدعاء: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات جميع ذنوبهم، ولا اللهم لا تدخل أحداً منهم النار، قالوا: لأنا نقطع بخبر الله وخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أن منهم من يدخل النار.
ولا يشكل على هذا القول مع قول نوح - عليه السلام -: ?رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ? [نوح: 28] لأنه ورد بصيغة الفعل في سياق الإثبات، وذلك لا يقتضي العموم، لأن الأفعال نكرات، ولجواز أن يكون نوح عليه الصلاة والسلام قصد معهوداً خالصاً وهو أهل زمانة مثلاً بل جميع المؤمنين والمؤمنات من أهل زمانه وغيرهم.
وفي الحديث أيضاً: دلالة على أنه لابد من إخراج العصاة ولا يخلدون في النار، ولو كانوا من أصحاب الكبائر، وهنا غرائب مناسبة:
الأولى: فإن قيل: إذا أدخل الله العصاة النار هل يميتهم الله في النار ثم يخرجهم بالشفاعة أو لا يميتهم؟
في المسألة قولان:
أحدهما: ورجحه القرطبي: أن الله يميتهم في النار إماتة حقيقية تكريماً لهم حتى لا يحسوا بألم العذاب بعد الاحتراق، ثم يخرجهم منها، والدليل على ذلك ما ورد في بعض الأحاديث: «فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً، أذن في الشفاعة فيهم» (¬1) أكد
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه (1/172، رقم 185) ، وابن ماجه في سننه (2/1441، رقم 4309) ، وأحمد في مسنده (3/11، رقم 11092) ، وابن حبان في صحيحه (16/530، رقم 7485) ، وأبو عوانة (1/158، رقم 456) ، والدارمي في سننه (2/427، رقم 2817) ، وأبو يعلى في مسنده (2/348، رقم 1097) عن أبي سعيد.

الصفحة 469