كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

ذلك بالمصدر فدل على أن الإماتة حقيقية، بخلاف الكفار المخلدين فيها قال الله تعالى في حقهم: ?وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ? [فاطر: 36] بل كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها كما قال الله تعالى: ?كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ? [النساء: 56] .
ثانيهما: أنهم إذا دخلوا النار لا يموتون فيها، بل إماتتهم المذكورة في الحديث عبارة عن أن الله يلقي عليهم في النار النوم حتى يعينهم عن ألم العذاب، وليس بموت على الحقيقة فإن النائم قد يغيب عن كثير من الألم والملاذ، وقد سماه الله تعالى وفاة بقوله العزيز: ?اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ? [الزمر: 42] .
فإن قيل: إذا أماتهم في النار على القول الأول وألقى عليهم النوم على القول الثاني، فأي حكمة وفائدة في إدخالهم النار ولا شعور لهم بأليم العذاب، الذي هو المقصود من دخول النار؟
أجاب العلماء عن ذلك: بأنه يدخلهم إلى النار وإن لم يحسوا بأليم العذاب، تأديباً لهم ويكون صرف نعيم الجنة عنهم مدة كونهم فيها عقوبة لهم، كالمحبوس في السجن، فإن الحبس عقوبة له وإن لم يكن معه غل ولا قيد والله أعلم.
الثانية: العصاة الذين يدخلهم الله النار من المؤمنين متفاوتون في العذاب، بحسب أعمالهم فمنهم من تأخذه النار إلى صدره، فقد جاء في خبر عن كعب الأحبار: «يا مالك قل للنار لا تحرق ألسنتهم فقد كانوا يقرؤون القرآن، يا مالك قل للنار تأخذهم على قدر أعمالهم» فالنار أعرف بهم بمقدار استحقاقهم من الوالدة بولدها، بخلاف الكافر فإن العذاب يشمل جميع جسده، ولا تعاف منه شيئاً، كما اشتمل في الدنيا على الكفر تشمله النار في الآخرة قال تعالى: ?لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ? أي: ما فوقهم ظلل لهم وما تحتهم ظلل.
ويعظم جسد الكافر في النار وأعضاؤه كأسنانه ويديه ورجليه وباقي أعضائه ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع» (¬1) .
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه (4/2189، رقم 2851) ، والترمذي في سننه (4 /704، رقم 2579) ، وأحمد في مسنده (2/328، رقم 8327) ، وابن حبان في صحيحه (16/532، رقم 7487) عن أبي هريرة.

الصفحة 470