كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

قَالَ البُخَارِي (¬1) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ (¬2) ، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ (¬3) ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ (¬4)
، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ (¬5) يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ (¬6) ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَىَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ» . قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الدِّينَ» .
في هذا الحديث فوائد:
الأولى: دل على استحباب تأويل دليل الرؤيا إذا كان عارفاً به، أو أنه يسأل العالم بها عنها، كما أول - صلى الله عليه وسلم - المنام الذي رآه لسيدنا عمر لما سألوه عنه «بالدين» .
وإنما أول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القميص بالدين، لأن الدين للإنسان كالقميص له في أنه يستره من النار، ويحجبه عن كل مكروه، كما أن القميص يستر عورة الإنسان.
وظاهر الحديث يقتضي أن القميص على أي لون كان يؤول بالدين إذا كان يجره على الأرض.
وفصل علماء التعبير في ذلك وقالوا: القميص الأبيض والأخضر يؤول بالدين، وأما الأزرق فإنه لا يحمد في المنام لقوله تعالى: ?وَنَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً? [طه: 102] .
أما الأحمر فإنه يدل على الشهرة والخيلاء في المنام فإن كان معتاداً بلبسه فهو دليل
¬_________
(¬1) بعدما تكلم المصنف عن شرح حديث في تفاضل أهل الإيمان أتى بعد ذلك بحديث آخر من أحاديث الباب فشرحه فتنبه هداك الله.
(¬2) قال الحافظ في الفتح (1/153) : قوله: «حدثنا محمد بن عبيد الله» هو أبو ثابت المدني وأبوه بالتصغير.
(¬3) قال الحافظ في الفتح (1/153) : قوله: «عن صالح» هو ابن كيسان تابعي جليل.
(¬4) قال الحافظ في الفتح (1/154) : قوله: «عن أبي أمامة بن سهل» هو ابن حنيف كما ثبت في رواية الأصيلي، وأبو أمامة مختلف في صحبته، ولم يصح له سماع، وإنما ذكر في الصحابة لشرف الرؤية، ومن حيث الرواية يكون في الإسناد ثلاثة من التابعين أو تابعيان وصحابيان، ورجاله كلهم مدنيون كالذي قبله.
وأفاد ابن حجر أنه سيشرح هذا مفصلاً في كتاب التعبير إلا أنه علق على وروده هاهنا في هذا الباب فقال: والحديث ومطابقته للترجمة ظاهرة من جهة تأويل القميص بالدين، وقد ذكر أنهم متفاضلون في لبسها، فدل على أنهم متفاضلون في الإيمان.
(¬5) قال الحافظ في الفتح (1/154) : قوله: «بينا أنا نائم رأيت الناس» أصل «بينا» : بين ثم أشبعت الفتحة، وفيه استعمال «بينا» بدون «إذا» وبدون «إذ» ، وهو فصيح عند الأصمعي ومن تبعه وإن كان الأكثر على خلافه، فإن في هذا الحديث حجة.
(¬6) قال الحافظ في الفتح (1/154) : وقوله: «الثدي» بضم المثلثة وكسر الدال المهملة، وتشديد الياء التحتانية جمع ثدي بفتح أوله وإسكان ثانيه والتخفيف، وهو مذكر عند معظم أهل اللغة، وحكي أنه مؤنث، والمشهور أنه يطلق في الرجل والمرأة، وقيل: يختص بالمرأة وهذا الحديث يرده، ولعل قائل هذا يدعي أنه أطلق في الحديث مجازاً، والله أعلم.

الصفحة 474