كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

أجيب عنه: بأنها بنيت من «رحم» بالكسر بعد النقل إلى فعل بالضم، أو بعد تنزيل المتعدي منزلة الفعل اللازم، كما في قولك: «فلان يعطي» .
وههنا سؤال وهو: إن قيل: «الرحمن والرحيم» صفتان مشتقتان من الرحمة، والرحمة: رقة القلب، وهي في حق الله محال تعالى سبحانه عن أن يكون له قلب أو نحوه من صفات الأجسام؟
والجواب عنه: أن أسماء الله تؤخذ باعتبار الغايات، فإذا وصف الله بأمر ولم يصح وصفه به، يحمل على غاية ذلك، وهذه قاعدة في كل مقام، وغاية رقة القلب التفضل والإحسان فهو المراد هنا.
وابتدأ البخاري -رحمه الله تعالى- كتابه «ببسم الله الرحمن الرحيم» اقتداء بالقرآن الكريم العظيم، وعملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر» (¬1)
أي: ذاهب البركة، رواه الخطيب بهذا اللفظ في كتابه الجامع،
¬_________
(¬1) ذكره النووي بهذا اللفظ في شرحه على صحيح مسلم (1/43) وعزاه إلى عبد القادر الرهاوي في كتابه «الأربعين» ، وكذا الحافظ السيوطي في الجامع الصغير انظر: فيض القدير (5/14) ، قال المناوي: ورواه كذلك الخطيب في تاريخه عن أبي هريرة.
قلت: ولم أقف عليه في تاريخ بغداد، وإنما أورده الخطيب بدون إسناد في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/69، رقم 1209) وقد أشار السفيري -المصنف- إلى ذلك.
وقد عدد النووي في شرحه على مسلم (1/43) الروايات في هذا الحديث فقال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ بالحمد لله فهو أقطع» ، وفي رواية: «بحمد الله» ، وفي رواية: «بالحمد فهو أقطع» ، وفي رواية: «أجذم» ، وفي رواية: «لا يبدأ فيه بذكر الله» ، وفي رواية: «ببسم الله الرحمن الرحيم» وقال: روينا كل هذه في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي سماعاًٍ من صاحبه الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن سالم الإنباري عنه، وروينا فيه أيضاً من رواية كعب بن مالك الصحابي - رضي الله عنه - والمشهور رواية أبي هريرة.
وهذا الحديث حسن، وروي موصولاً ومرسلاً، ورواية الموصول إسنادها جيد، ومعنى: «أقطع» : قليل البركة، وكذلك «أجذم» بالجيم والذال المعجمة ويقال منه: «جذم» بكسر الذال «يجذم» بفتحها.
والحديث حسنه برواياته العجلوني في كشف الخفاء (2/156) .
إلا أن الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8/220) قال: الرواية المشهورة فيه بلفظ: «حمد الله» وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النووي وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية.
وإنما حكم بأنه حديث حسن مع اختلاف لفظه بين حمد وتسمية وذكر لله كما سبق أن قرأنا ذلك عند الإمام النووي، لأن اللفظ الذي فيه «الحمد» هو المشهور كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وهذا اللفظ المشهور أخرجه النسائي في السنن الكبرى (6/127، رقم 10328) ، وابن ماجه (1/610، رقم 1894) ، وابن حبان (1/174، رقم 2) ، والدارقطني (1/229) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/208، رقم 5559) جميعاً عن أبي هريرة.
ولكن يمكن الجمع بين الروايات في ذلك بأن البدء يكون بالجميع بالتسمية والتحميد وذكر الله، فإن الذي يبدأ بذلك فقد جمع بين الروايات وحاز فضل ذلك. قاله الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/69) .

الصفحة 58