كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

لطيفة: قال الإمام الرازي: كتب عارف من العارفين لما دنا أجله «بسم الله الرحمن الرحيم» وأوصى أن تجعل في كفنه فقيل له: أي فائدة لك في هذا؟ قال: أقول يوم القيامة إلهي بعثت إلينا كتاباً وجعلت عنوانه «بسم الله الرحمن الرحيم» فعاملني بعنوان كتابك.
واختلف العلماء في البسملة (¬1) هل هي آية من الفاتحة، ومن كل سورة أم لا؟ فذهب إمامنا الشافعي إلى أنها آية من الفاتحة، ومن كل سورة إلا براءة، للأخبار ولإجماع الصحابة على إثباتها في المصحف أوائل السور سوى براءة، فلو لم تكن قرآنا لما أجازوا ذلك، لأنه يحمل على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآناً.
بل ذكر الروياني من أصحابنا الشافعية في كتابة «البحر» : أن البسملة أفضل آي القرآن.
والحكمة في عدم ابتداء سورة براءة بالبسملة: أنها نزلت في الخوف والقتال بالسيف، والبسملة آية أمان، والأمان والخوف لا يجتمعان.
وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنها ليست آية من كل سورة.
واختلاف العلماء فيها لا يكفر جاحدها ومنكرها بخلاف غيرها من أي القرآن إذا أنكره فإنه يكفر.
والبسملة التي في أثناء النمل آية من القرآن بالإجماع.
ومذهب الشافعي يستحب الجهر بها في الصلاة الجهرية (¬2) ، ومذهب أبي حنيفة وأحمد يسر بها مطلقاً، والإمام مالك لا يقرأها سراً ولا جهراً، وإذا قرأها خارج الصلاة ويأتي بها في أول الفاتحة وأول كل سورة إلا براءة، وإذا قرأ من أول الأجزاء لا من أول السورة فهو مخير بين البسملة وتركها.
وقد ذكر العلماء فوائد متعلقة بالبسملة (¬3) :
الأولى: أن كعب الأحبار قال: إن الباء من بسم الله بهاء الله، والسين سناوه، والميم ملكه.
الثانية: اشتملت البسملة على ثلاثة أسماء «الله، الرحمن، الرحيم» أما «الله» فهو المستحق للعبادة، وهذا معناه، وهو علم على الله غير مشتق كما قاله طائفة من العلماء منهم الإمام الشافعي، ومحمد بن الحسن، والغزالي.
ونقل عن الأشعري أنه رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بقولي: إن الله علم على ذات الله تعالى، وهو اسم الله الأعظم.
¬_________
(¬1) فصل الألوسي في تفسيره روح المعاني (1/39) هذه لمسألة تفصيلا بديعياً فقال: اختلف الناس في البسملة في غير النمل إذ هي فيها بعض آية بالاتفاق على عشرة أقوال: الأول: إنها ليست آية من السور أصلاً. الثاني: أنها آية من جميعها غير براءة. الثالث: أنها آية من الفاتحة دون غيرها. الرابع: أنها بعض آية منها فقط. الخامس: أنها آية فذة أنزلت لبيان رؤوس السور تيمناً وللفصل بينها. السادس: أنه يجوز جعلها آية منها وغير آية لتكرر نزولها بالوصفين. السابع: أنها بعض آية من جميع السور. الثامن: أنها آية من الفاتحة وجزء آية من السور. التاسع: عكسه. العاشر: أنها آيات فذة وإن أنزلت مراراً.
فابن عباس وابن المبارك وأهل مكة كابن كثير وأهل الكوفة كعاصم والكسائي وغيرهما سوى حمزة وغالب أصحاب الشافعي والإمامية على الثاني. وقال بعض الشافعية وحمزة ونسب للإمام أحمد بالثالث. وأهل المدينة ومنهم مالك، والشام ومنهم الأوزاعي، والبصرة ومنهم أبو عمرو ويعقوب على الخامس.
(¬2) انظر المجموع (3/280) وعبارته فيه: قال الشافعي والأصحاب: ويسن الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية في الفاتحة وفي السورة.
(¬3) ومن الفوائد التي لم يذكرها المصنف ما قاله في فتح المعين (1/147) : ويسن وقف على رأس كل آية حتى على آخر البسملة، خلافاً لجمع منها أي: من الفاتحة وإن تعلقت بما بعدها للاتباع.

الصفحة 60