كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد» (¬1) قاله الغزالى في جواهر القرآن.
ثانيهما: كررهما تأكيداً للرحمة وعناية بها، ومع ذلك عقبهما بقوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] لئلا يغتروا قاله النيابوري.
و «الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» اسمان من أسماء الله يجب على كل مكلف أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم، وأرحم الراحمين.
واختلف العلماء فيهما هل هما بمعنى واحد أم لا؟
فقيل: هما بمعنى واحد وصححه ابن العربي.
والصحيح أن «الرحمن» أبلغ من «الرحيم» كما قاله الأكثرون، ومعنى كون «الرحمن» أبلغ: أن رحمته في الدنيا شاملة له وللكافر والصالح، وتلك الرحمة هي إيصال الرزق، وخلق الصحة والسلامة ورفع الأسقام والمصائب والدواهي.
و «الرحمن» أبلغ من الرحيم، لأن الرحمة الناشئة من الرحمن عامة في حق الولي والعدو والصديق والزنديق، والرحمة الناشئة من الرحيم مختصة بالمؤمنين.
وقد فرق العلماء بين: «الرحمن، والرحيم» بفروق:
الأول: أن «الرحمن» خاص بأهل السماء، و «الرحيم» بأهل الأرض.
الثاني: أن «الرحمن» هو الذي يرحم برحمته واحدة، و «الرحيم» بمائة رحمة فعلى هذا يكون «الرحمن» خاص بأهل الدنيا، و «الرحيم» بأهل الآخرة، ويدل عليه ما رويناه في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة» (¬2) .
¬_________
(¬1) أخرجه الإمام مسلم (4/2109، رقم 2755) .
وأخرجه أيضاً: الترمذي (5/549، رقم 3542) ، والإمام أحمد (2/334، رقم 8396) ، وابن حبان (2/56، رقم 345) ، وأبو يعلى (11/392، رقم 6507) ، والديلمي (3/349، رقم 5056) عن أبي هريرة.
(¬2) أخرجه الإمام مسلم (4/2109، رقم 2753) .
وأخرجه أيضاً: الطبراني في الكبير (6/255، رقم 6144) ، وابن المبارك في الزهد (ص 312، رقم 894) ، وهناد في الزهد (2/614، رقم 1319) عن سلمان - رضي الله عنه -.

الصفحة 62