كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

فقال لي: تحرم نفسك أربعين حسنة قلت: وكيف يا رسول الله؟ قال: إذا جاء ذكري تكتب صلى الله عليه، ولا تكتب وسلم، وهي أربعة أحرف كل حرف بعشر حسنات، قال: وعدهن - صلى الله عليه وسلم - بيده.
وكما قال ابن الصلاح ينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره، فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك مرة حرم حظاً عظيماً.
ويتجنب أن يكتب «صلعم» مكان - صلى الله عليه وسلم - كما يفعله الكسالى والجهلة وعوام الطلبة، يأخذون من كل كلمة حرفاً الصاد من صلي، واللام من الله، والعين من عليه، والميم من وسلم، ويجمعونها «صلعم» .
ولنا عوده إلى الكلام على بقية المواضع والأوقات التي تستحب فيها الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى ذكر مسائل نفيسة متعلقة بذلك في مجلس آخر.
فائدة: من أكثر من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكتابة وغيرها ولو كان مسرفاً ثم استغاث به في الشدة فإنه يغيثه - صلى الله عليه وسلم -.
فقد حكى ابن الملقن عن أبي الليث عن سفيان الثوري (¬1)
أنه قال: كنت أطوف فإذا أنا برجل لا يرفع قدماً ولا يضع قدماً إلا ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا هذا إنك قد تركت التسبيح والتهليل، وأقبلت بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهل عندك من هذا شيء؟ فقال: من أنت عافاك الله؟ فقلت: أنا سفيان الثوري، فقال: لولا إنك غريب في أهل زمانك لما أخبرتك عن حالي، ولا أطلعتك على سري، ثم قال: خرجت أنا ووالدي حاجين إلى بيت الله الحرام، حتى إذا كنت في بعض المنازل مرض والدي، فقمت لأعالجه، فبينما أنا ذات ليلة عند رأسه إذ مات، فأسود وجهه، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والدي فاسود وجهه، فجذبت الإزار على وجهه، فغلبتني عيناي فنمت، فإذا أنا برجل لم أر أجمل منه وجهاً، ولا أنظف منه ثوباً، ولا أطيب منه ريحاً، يرفع قدماً ويضع أخرى، حتى دنا من والدي، فكشف الإزار عن وجهه، فمد يده الشريفة على وجهه، فعاد وجهه أبيض ثم ولي راجعاً، فتعلقت بثوبه، فقلت: يا عبد الله من أنت الذي مَنَّ الله على والدي بك في دار الغربة؟ فقال: أو ما تعرفني أنا محمد بن عبد الله، وصاحب القرآن، أما إن والدك كان مسرفاً على نفسه، ولكن كان يكثر الصلاة عليّ فلما نزل به ما نزل فاستغاث بي، وأنا غياث من يكثر الصلاة عليّ، فانتبهت فإذا وجهه أبيض.
¬_________
(¬1) هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، روى عن أبيه، وزياد بن علاقة، وحبيب بن أبي ثابت، وأيوب وجعفر الصادق وخلق، وعنه: ابن المبارك ويحيى القطان وخلق وآخرهم موتا من الثقات علي ابن الجعد.
قال شعبة وغير واحد: سفيان أمير المؤمنين في الحديث، وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان، وقال ابن مهدي: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، وقال شعبة: إن سفيان ساد الناس بالعلم والورع.
ولد سنة سبع وتسعين، ومات بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة.
انظر: طبقات الحفاظ (1/95، ترجمة: 188) ، والتاريخ الكبير (4/92، ترجمة: 2077) ، والجرح والتعديل (4/222، ترجمة: 972) ، وتهذيب التهذيب (4/99) .

الصفحة 80