كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 1)

الفرق بين الحق والباطل بإسلامه.
وقيل: سبب تسميته بالفاروق ما روي عن الشعبي (¬1) أن رجلاً من المنافقين ويهودياً اختصما فقال اليهود: ننطلق إلى محمد بن عبد الله، وقال المنافق: إلى كعب بن الأشرف، فأبى اليهودي، وأتى للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى لليهودي، فلما خرجا قال المنافق: ننطلق إلى عمر بن الخطاب، فأقبلا إليه فقصا عليه القصة، فقال: رويداً حتى أخرج إليكما فدخل البيت واشتمل على السيف، ثم خرج وضرب عنق المنافق، وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزل جبريل فقال: إن عمر بن الخطاب فاروق الحق والباطل، فسمي الفاروق. خرجه الواحدي وأبو الفرج.
واختلف العلماء فيمن سماه بالفاروق فقيل: ربه وهو ضعيف، وقيل: أهل الكتاب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر المحب الطبري (¬2)
في كتابه الرياض النضرة أنه قال: روي عن ابن العباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ينادي مناد يوم القيامة أين الفاروق عمر فيؤتى به، فيقول الله تعالى مرحباً بك يا أبا حفص، هذا كتابك فإن شئت فاقرأه، وإن شئت فلا، فقد غفرت لك» (¬3) .
قال: وقد روي أن اسمه في السماء فاروق، وفي الإنجيل كافي، وفي التوراة منطق الحق.
وهو أول من سمي أمير المؤمنين، وكان يقال: لأبي بكر - رضي الله عنه - خليفة رسول الله، فلما ولي عمر - رضي الله عنه - قيل له: خليفة خليفة رسول الله - رضي الله عنه - فاستطالوا ذلك، فقيل: إنه سمى نفسه فقال: أنتم المؤمنون وأنا أميركم، وقيل: سماه غيره به.
واختلف العلماء في وقت إسلامه فقيل: أسلم بعد خمس من النبوة، وقيل: أربع، والراجح بعد ست، وكان مكملاً لعدة أربعين رجلاً فقد ورد عن ابن عباس (¬4)
قال: أسلم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة وثلاثون رجلاً ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين رجلاً فنزل جبريل - عليه السلام - بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] خرجه الخلعي (¬5) والواحدي (¬6) .
كما روي: أنه أسلم بعد أربعين رجلاً وإحدى عشر امرأة.
وسبب إسلامه كما روي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: خرج علينا متقلداً السيف، فلقيه رجل من بني زهرة فقال: أين تعمد أين تريد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمداً،
¬_________
(¬1) هو: أبو عمرو، عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي الحميري، راوية التابعين، يضرب المثل بحفظه، ولد ونشأ ومات فجأة بالكوفة، وكان -رحمه الله- سفير ورسول عبد الملك بن مروان إلى الروم، توفي سنة (102هـ)
انظر: تهذيب التهذيب (5/65) ، ووفيات الأعيان (1/244) ، وحلية الأولياء (4/310) .
انظر: الديباج المذهب (1/30) ، والوفيات (1/439) ، وتهذيب التهذيب (10/5) .
(¬2) محب الطبري: هو فقيه الحرم محب الدين أبى العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن محمد الطبري ثم المكي، شيخ الحرم بمكة وفقيهه ومفتيه وحافظ الحجاز بلا مدافعة، ولد في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة. قال البرزالي ولد بمكة في يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة.
له باع في الفتوى والتصنيف والتأليف، وهو من أئمة الفقه الشافعي وصنف فيه وبرع في مسائله وأفتى بمذهبه حتى قيل عنه شيخ الحرم ومفتيه، له من التصانيف: شرح التنبيه في فروع الشافعية وهو شرح مبسوط في عشرة أسفار كبار، ومسلك النبيه في تلخيص التنبيه وهو كبير، وتحرير التنبيه لكل طالب نبيه وهو مختصر صغير للتنبيه أيضاً، وعواطف النصرة في تفضيل الطواف على العمرة وهو كتاب في المناسك كما أشار إليه ابن قاضي شهبة، هذا في الفقه، أما في السير والتاريخ فله: الرياض النضرة في فضائل العشرة، وهو الذي نقل منه المصنف ههنا، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، والسمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين.
توفى في جمادى الآخرة، وقيل: في رمضان، وقيل: في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وستمائة، وحكى البرزالي عن بعض علماء الحجاز أن الشيخ محب الدين توفى فى جمادى الآخرة وولده توفى بعده فى ذى القعدة.
انظر: شذرات الذهب (3/235، 236) ، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/162، 163) ، والبداية والنهاية (13/340، 341) ، والدرر الكامنة (5/210) ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (8/18، 19، 20) ، والنجوم الزاهرة 08/74) ، وتذكرة الحفاظ (4/1474) ، وطبقات المحدثين (1/221) ، ومعجم المؤلفين (1/22، 23) ، والرسالة المستطرفة (1/108) ، وذيل التقييد (1/318) ، وكشف الظنون (1/20، 79، 465، 491، 727) ، و (2/1177، 1178، 11613) .
(¬3) لم نقف عليه.
(¬4) هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له رسول الله بالفهم في القرآن، فكان يسمى البحر والحبر لسعة علمه، وهو أحد المكثرين من الصحابة في رواية الحديث، وأحد العبادلة، ومن فقهاء الصحابة، شهد مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الجمل وصفين، وكف بصره في آخر حياته، وتوفي سنة (68هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (1/309) ، وصفة الصفوة (1/314) ، وحلية الأولياء (1/61) .
(¬5) الخلعي هو: علي بن الحسن بن الحسين بن محمد، أبو الحسن الخلعي الشافعي: مسند الديار المصرية في عصره، أصله من الموصل، ومولده سنة: 405 هـ‍، ووفاته بها سنة: 492 هـ‍، فهو ينسب إليها لذلك.
ولي القضاء فحكم يوما واحداً واستعفى، وانزوى بالقرافة، حتى قيل له: القرافي، وكان قبره فيها يعرف بقبر: قاضي الجن والإنس، صنف كتاب: الفوائد في الحديث، ويعرف بفوائد الخلعي، وخرج أحمد بن الحسين الشيرازي أجزاء من مسموعاته في الحديث، سماها: الخلعيات.
(¬6) أخرجه الواحدي في أسباب النزول (ص: 196، رقم 496) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والواحدي هو: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، مفسر ومن علماء التأويل، أصله من ساوه، لزم الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي وأخذ وأكثر عنه في النقل، وكان الواحدي له باع طويل في العربية واللهجات، وتصدر للتدريس مدة وعظم شأنه، وله شعر رائق، له من التصانيف: أسباب النزول وهو مشهور، مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة.
انظر: طبقات المفسرين للسيوطي (ص: 70) ، البداية والنهاية (12/114) ، شذرات الذهب (3/330) ، طبقات الشافعية للسبكي (5/240) ، النجوم الزاهرة (5/104) ، العبر (3/267) ، وفيات الأعيان (2/464) .

الصفحة 93