كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 1)

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَجَّسَ بِمُلَاقَاةِ النَّجِسِ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ نَجِسٌ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِمُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكُلُّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِمُلَاقَاةِ الْحَرَامِ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ بِمُلَاقَاةِ الْحَلَالِ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ ادَّعَى أَنَّ الطَّاهِرَ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجِسِ. وَأَنَّ الْحَلَالَ يَحْرُمُ بِمُلَاقَاةِ الْحَرَامِ، وَبَيْنَ مَنْ عَكَسَ الْأَمْرَ فَقَالَ: بَلْ النَّجِسُ يَطْهُرُ بِمُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ، وَالْحَرَامُ يَحِلُّ بِمُلَاقَاةِ الْحَلَالِ، كِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِخِلَافِ هَذَا فِي شَيْءٍ مَا فَيُوقَفُ عِنْدَهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ. فَإِذَا شَرِبَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا فِي إنَاءٍ أَوْ أَكَلَ أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ عُضْوًا مِنْهُ أَوْ وَقَعَ فِيهِ فَسُؤْرُهُ حَلَالٌ طَاهِرٌ وَلَا يَتَنَجَّسُ بِشَيْءٍ مِمَّا مَاسَّهُ مِنْ الْحَرَامِ أَوْ النَّجَسِ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بَعْضُ الْحَرَامِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَمَا قَدَّمْنَا. حَاشَا الْكَلْبَ وَالْهِرَّ، فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ شَرِبَ فِي الْإِنَاءِ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَالْوُضُوءُ بِذَلِكَ الْمَاءِ جَائِزٌ: الْفَرَسُ وَالْبَقَرُ وَالضَّأْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ أَسْآرُ جَمِيعِ الطَّيْرِ، وَمَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهُ مِنْهَا، وَالدَّجَاجِ الْمُخَلَّى وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ بِذَلِكَ الْمَاءِ جَائِزٌ وَأَكْرَهُهُ، وَأَكْلُ أَسْآرِهَا حَلَالٌ، قَالَ فَإِنْ شَرِبَ فِي الْإِنَاءِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ هِرٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَهُوَ نَجِسٌ: وَلَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَمَنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَعَادَ أَبَدًا. وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ لُعَابِهَا فِي مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ: وَهَذَا وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطَّيْرِ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ، وَلَكِنِّي أَدَعُ الْقِيَاسَ وَأَسْتَحْسِنُ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ فَرَّقَ هَذَا الْفَرْقَ: وَلَئِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي تَرْكِهِ الْحَقَّ، وَفِي اسْتِحْسَانِ خِلَافِ الْحَقِّ، وَلَئِنْ كَانَ الْقِيَاسُ بَاطِلًا، فَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي اسْتِعْمَالِ الْبَاطِلِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَهُ وَدَانَ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: حُكْمُ الْمَائِعِ حُكْمُ اللَّحْمِ الْمُمَاسِّ لَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ

الصفحة 139