كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 1)

أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَنَجَّسَ الْبَحْرُ وَالْأَنْهَارُ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ الَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ وَجَبَ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ الَّذِي يُمَاسُّهُ أَيْضًا، ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَتَنَجَّسَ مَا مَسَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ أَبَدًا، وَهَذَا لَا مَخْلَصَ مِنْهُ. فَإِنْ قَالُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: لَا يَتَنَجَّسُ. تَرَكُوا قَوْلَهُمْ وَرَجَعُوا إلَى الْحَقِّ وَتَنَاقَضُوا، وَفِي إجْمَاعِهِمْ مَعَنَا عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ وَعَلَى تَطْهِيرِ الْمَخْرَجِ وَالدَّمِ فِي الْفَمِ وَالثَّوْبِ وَالْجِسْمِ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا نَجَاسَةَ إلَّا مَا ظَهَرَتْ فِيهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَلَا يُحَرَّمُ إلَّا مَا ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَقَطْ، وَسَائِرُ قَوْلِهِمْ فَاسِدٌ.
فَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمَاءِ الْوَارِدِ وَبَيْنَ الَّذِي تَرِدُهُ النَّجَاسَةُ. زَادُوا فِي التَّخْلِيطِ بِلَا دَلِيلٍ.
وَأَمَّا إذَا تَغَيَّرَ لَوْنُ الْحَلَالِ الطَّاهِرِ - بِمَا مَازَجَهُ مِنْ نَجِسٍ أَوْ حَرَامٍ - أَوْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ بِذَلِكَ، أَوْ تَغَيَّرَ - رِيحُهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّنَا حِينَئِذٍ لَا نَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحَلَالِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ، وَاسْتِعْمَالُ الْحَرَامِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِي الصَّلَاةِ حَرَامٌ كَمَا قُلْنَا، وَلِذَلِكَ وَجَبَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، لَا لِأَنَّ الْحَلَالَ الطَّاهِرَ حُرِّمَ وَلَا تَنَجَّسَتْ عَيْنُهُ، وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَى تَخْلِيصِ الْحَلَالِ الطَّاهِرِ مِنْ الْحَرَامِ وَالنَّجَسِ، لَكَانَ حَلَالًا بِحَسَبِهِ.

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ الْحَرَامُ عَلَى جِرْمٍ طَاهِرٍ فَأَزَلْنَاهَا، فَإِنَّ النَّجِسَ لَمْ يَطْهُرْ وَالْحَرَامُ لَمْ يَحِلَّ، لَكِنَّهُ زَايَلَ الْحَلَالَ الطَّاهِرَ، فَقَدَرْنَا عَلَى أَنْ نَسْتَعْمِلَهُ حِينَئِذٍ حَلَالًا طَاهِرًا كَمَا كَانَ.
وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُ عَيْنِ النَّجِسِ أَوْ الْحَرَامِ، فَبَطَلَ عَنْهُ الِاسْمُ الَّذِي بِهِ وَرَدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ، وَانْتَقَلَ إلَى اسْمٍ آخَرَ وَارِدٍ عَلَى حَلَالٍ طَاهِرٍ، فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ النَّجِسَ وَلَا الْحَرَامَ، بَلْ قَدْ صَارَ شَيْئًا آخَرَ ذَا حُكْمٍ آخَرَ.
وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُ عَيْنِ الْحَلَالِ الطَّاهِرِ، فَبَطَلَ عَنْهُ الِاسْمُ الَّذِي بِهِ وَرَدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ، وَانْتَقَلَ إلَى اسْمٍ آخَرَ وَارِدٍ عَلَى حَرَامٍ أَوْ نَجِسٍ، فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْحَلَالَ الطَّاهِرَ، بَلْ قَدْ صَارَ شَيْئًا آخَرَ ذَا حُكْمٍ آخَرَ كَالْعَصِيرِ يَصِيرُ خَمْرًا، أَوْ الْخَمْرِ يَصِيرُ خَلًّا، أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ تَأْكُلُهُ دَجَاجَةٌ يَسْتَحِيلُ فِيهَا لَحْمَ دَجَاجٍ حَلَالًا وَكَالْمَاءِ يَصِيرُ بَوْلًا، وَالطَّعَامِ يَصِيرُ عَذِرَةً، وَالْعَذِرَةُ وَالْبَوْلُ تُدْهَنُ بِهِمَا الْأَرْضُ فَيَعُودَانِ ثَمَرَةً حَلَالًا، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ، وَكَنُقْطَةِ مَاءٍ تَقَعُ فِي خَمْرٍ أَوْ نُقْطَةِ خَمْرٍ تَقَعُ فِي مَاءٍ، فَلَا يَظْهَرُ لِشَيْءٍ

الصفحة 143