كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 1)

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ: «خُذُوا مِمَّا حَوْلَهَا قَدْرَ الْكَفِّ.» قِيلَ: هَذَا إنَّمَا جَاءَ مُرْسَلًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ - وَهُوَ كَذَّابٌ - عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَطْ، وَمِنْ رِوَايَةِ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَشَرِيكٌ ضَعِيفٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَلَوْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ، فَكَيْفَ مِنْ رِوَايَةِ الضُّعَفَاءِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لِغَيْرِ الْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ، وَلَا لِلْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ وَلَا لِغَيْرِ الْفَأْرَةِ فِي السَّمْنِ بِحُكْمِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي غَيْرِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمًا فِي غَيْرِ الْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ ثُمَّ يَسْكُتَ عَنْهُ وَلَا يُخْبِرَنَا بِهِ، وَيَكِلَنَا إلَى عِلْمِ الْغَيْبِ وَالْقَوْلِ بِمَا لَا نَعْلَمُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا يَعْجَزُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ عَنْ أَنْ يَقُولَ لَوْ أَرَادَ: إذَا وَقَعَ النَّجِسُ أَوْ الْحَرَامُ فِي الْمَائِعِ فَافْعَلُوا كَذَا، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَدَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانَ مَا أَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِتَبْلِيغِهِ. هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الْمَقْطُوعُ عَلَى بُطْلَانِهِ بِلَا شَكٍّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي وَدَكٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: اطْرَحُوهَا وَمَا حَوْلَهَا إنْ كَانَ جَامِدًا، قِيلَ: وَإِنْ كَانَ مَائِعًا؟ قَالَ: فَانْتَفِعُوا بِهِ وَلَا تَأْكُلُوهُ» . قُلْنَا: هَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ، وَهُوَ لَا شَيْءَ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْفَأْرُ فِي الْوَدَكِ فَقَطْ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْوَدَكَ فِي اللُّغَةِ لِلسَّمْنِ وَالْمَرَقِ خَاصَّةً وَالدَّسَمَ لِلشَّحْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ وَقَعَتْ خَمْرٌ أَوْ مَيْتَةٌ أَوْ بَوْلٌ أَوْ عَذِرَةٌ أَوْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ نُجِّسَ كُلُّهُ قَلَّتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثُرَتْ، وَوَجَبَ هَرْقُهُ كُلِّهِ وَلَمْ تَجُزْ صَلَاةُ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ اغْتَسَلَ مِنْهُ، وَلَمْ يَحِلَّ شُرْبُهُ كَثُرَ ذَلِكَ الْمَاءُ أَوْ قَلَّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إذَا حَرَّكَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ الْآخَرُ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ حِينَئِذٍ، وَجَائِزٌ التَّطَهُّرُ بِهِ وَشُرْبُهُ، فَإِنْ وَقَعَتْ كَذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ حُرِّمَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَجَازَ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ وَبَيْعُهُ، فَإِنْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ الْحَرَامُ فِي بِئْرٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عُصْفُورًا فَمَاتَ، أَوْ فَأْرَةً فَمَاتَتْ، فَأُخْرِجَا، فَإِنَّ الْبِئْرَ قَدْ تَنَجَّسَتْ، وَطَهُورُهَا أَنْ يُسْتَقَى مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا وَالْبَاقِي طَاهِرٌ. فَإِنْ كَانَتْ دَجَاجَةً أَوْ سِنَّوْرًا فَأُخْرِجَا حِينَ مَاتَا فَطَهُورُهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا وَالْبَاقِي طَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَتْ شَاةً فَأُخْرِجَتْ حِينَ مَاتَتْ أَوْ بَعْدَمَا انْتَفَخَتْ أَوْ تَفَسَّخَتْ، أَوْ لَمْ تُخْرَجْ الْفَأْرَةُ وَلَا الْعُصْفُورُ وَلَا

الصفحة 147