كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 1)

وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي الْخَبَرِ نَفْسِهِ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: قَدْ غَلَبَتْنَا عَيْنٌ مِنْ جِهَةِ الْحَجَرِ، فَأَعْطَاهُمْ كِسَاءَ خَزٍّ فَحَشَوْهُ فِيهَا حَتَّى نَزَحُوهَا، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، لِأَنَّ حَدَّ النَّزْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ فَقَطْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِائَتَا دَلْوٍ فَقَطْ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ - يَقْضِي بِأَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهُ حُجَّةً - ثُمَّ يَكُونُ الْمُحْتَجُّ بِهِ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِمَا احْتَجَّ فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ أَنَّهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَمَرَا بِنَزْحِهَا لَمَا كَانَ لِلْحَنَفِيِّينَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ، إلَّا أَنَّ زَمْزَمَ تَغَيَّرَتْ بِمَوْتِ الزِّنْجِيِّ. وَهَذَا قَوْلُنَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا صِحَّةُ الْخَبَرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَرْبَعٌ لَا تُنَجَّسُ، الْمَاءُ وَالثَّوْبُ وَالْإِنْسَانُ وَالْأَرْضُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا.
وَأَمَّا التَّابِعُونَ الْمَذْكُورُونَ، فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ: فِي الْفَأْرَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا وَفِي السِّنَّوْرِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي الدَّجَاجَةِ سَبْعُونَ دَلْوًا، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي السِّنَّوْرِ ثَلَاثُونَ دَلْوًا، وَفِي الدَّجَاجَةِ ثَلَاثُونَ دَلْوًا. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ فِي الدَّجَاجَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا، وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْفَأْرَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا، وَقَالَ عَطَاءٌ فِي الْفَأْرَةِ عِشْرُونَ دَلْوًا، وَفِي الشَّاةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا، فَإِنْ تَفَسَّخَتْ فَمِائَةُ دَلْوٍ أَوْ تُنْزَحُ، وَفِي الْكَلْبِ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ، إنْ أُخْرِجَ مِنْهَا حَيًّا عِشْرُونَ دَلْوًا، فَإِنْ مَاتَ فَأُخْرِجَ حِينَ مَوْتِهِ فَسِتُّونَ دَلْوًا، فَإِنْ تَفَسَّخَ فَمِائَةُ دَلْوٍ أَوْ تُنْزَحُ، فَهَلْ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلٌ يُوَافِقُ أَقْوَالَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إلَّا قَوْلَ عَطَاءٍ فِي الْفَأْرَةِ دُونَ أَنْ يُقَسِّمَ تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلَ إبْرَاهِيمَ فِي السِّنَّوْرِ دُونَ أَنْ يُقَسِّمَ أَيْضًا تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلَمْ يَحْصُلُوا إلَّا عَلَى خِلَافِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كُلِّهِمْ فَلَا تَعَلُّقَ بِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ أَوْ الْمَقَايِيسِ. وَمِنْ عَجِيبِ مَا أَوْرَدْنَا عَنْهُمْ قَوْلُهُمْ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمْ: إنَّ مَاءَ وُضُوءِ الْمُسْلِمِ الطَّاهِرِ النَّظِيفِ أَنْجَسُ مِنْ الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ وَلَوْ أَوْرَدْنَا التَّشْنِيعَ عَلَيْهِمْ بِالْحَقِّ لَأَلْزَمْنَاهُمْ ذَلِكَ فِي وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِمَّا أَنْ يَتْرُكُوا قَوْلَهُمْ، وَإِمَّا أَنْ يَخْرُجُوا عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي وُضُوءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَقَوْلُهُمْ: إنْ حُرِّكَ طَرَفُهُ لَمْ يَتَحَرَّكْ الطَّرَفُ الْآخَرُ، فَلَيْتَ شِعْرِي هَذِهِ الْحَرَكَةُ بِمَاذَا تَكُونُ أَبِإِصْبَعِ طِفْلٍ، أَمْ بِتَبِنَةٍ، أَوْ بِعُودِ مِغْزَلٍ، أَوْ بِعَوْمِ عَائِمٍ، أَوْ بِوُقُوعِ فِيلٍ، أَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ بِحَجَرِ مَنْجَنِيقٍ، أَوْ بِانْهِدَامِ جُرْفٍ؟ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ هَذِهِ التَّخَالِيطِ، لَا سِيَّمَا فَرْقُهُمْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ

الصفحة 150