كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 1)

الْمَاءِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ، فَإِنْ ادَّعَوْا فِيهِ إجْمَاعًا، قُلْنَا لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، هَذَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ: إنَّ كُلَّ مَاءٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فَقَدْ تَنَجَّسَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَدِيرًا إذَا حُرِّكَ وَسَطُهُ لَمْ تَتَحَرَّكْ أَطْرَافُهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْبِئْرِ تَقَعُ فِيهَا الدَّجَاجَةُ فَتَمُوتُ فِيهَا: إنَّهُ يُنْزَفُ إلَّا أَنْ تَغْلِبَهُمْ كَثْرَةُ الْمَاءِ، وَلَا يُؤْكَلُ طَعَامٌ عُجِنَ بِهِ، وَيُغْسَلُ مِنْ الثِّيَابِ مَا غُسِلَ بِهِ، وَيُعِيدُ كُلُّ مَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ صَلَاةً صَلَّاهَا مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ. قَالَ فَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ الْوَزَغَةُ أَوْ الْفَأْرَةُ فَمَاتَتَا إنَّهُ يُسْتَقَى مِنْهَا حَتَّى تَطِيبَ، يَنْزِفُونَ مِنْهَا مَا اسْتَطَاعُوا، فَلَوْ وَقَعَ خَمْرٌ فِي مَاءٍ فَإِنَّ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ، فَلَوْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، تَغَيَّرَ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَإِنْ بُلَّ فِي الْمَاءِ خُبْزٌ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِنْهُ، وَأَعَادَ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَبَدًا، فَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ طَاهِرٍ، أَعَادَ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَبَدًا، فَلَوْ مَاتَ شَيْءٌ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ فِي مَاءٍ أَوْ فِي طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ، وَيُؤْكَلُ كُلُّ ذَلِكَ وَيُشْرَبُ، وَذَلِكَ نَحْوُ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالصَّرَّارِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالسَّرَطَانِ وَالضُّفْدَعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ: قَلِيلُ الْمَاءِ يُفْسِدُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ، وَيَتَيَمَّمُ مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِهِ لَمْ يُعِدْ إلَّا فِي الْوَقْتِ.
قَالَ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ فَرَّقَ بِهَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ مَا مَاتَتْ فِيهِ الْوَزَغَةُ وَالْفَأْرَةُ وَبَيْنَ مَا مَاتَتْ فِيهِ الدَّجَاجَةُ فَهُوَ خَطَأٌ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِنْ كَانَ سَاوَى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ فَقَدْ تَنَاقَضَ قَوْلُهُ، إذْ مَنَعَ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ الْمَعْمُولِ بِذَلِكَ الْمَاءِ، وَإِذْ أَمَرَ بِغَسْلِ مَا مَسَّهُ مِنْ الثِّيَابِ، ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا عِنْدَهُ اخْتِيَارٌ لَا إيجَابٌ، فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ تَطَوُّعًا عِنْدَهُ، فَأَيُّ مَعْنًى لِلتَّطَوُّعِ فِي إصْلَاحِ مَا فَسَدَ مِنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ؟ فَإِنْ قَالَ إنَّ لِذَلِكَ مَعْنًى، قِيلَ لَهُ: فَمَا الَّذِي يُفْسِدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ؟ وَمَا الْوَجْهُ الَّذِي رَغَّبْتُمُوهُ مِنْ أَجْلِهِ فِي أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي الْوَقْتِ، وَلَمْ تُرَغِّبُوهُ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْوَقْتِ؟ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ فَرْضًا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرَيْنِ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؟ وَمَا الَّذِي أَسْقَطَهَا عَنْهُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ؟ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْفَرْضَ يُؤَدِّيهَا التَّارِكُ لَهَا فَرْضًا وَلَا بُدَّ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ.

الصفحة 151