كتاب وحي القلم (اسم الجزء: 1)

كلامنا, أتريد دليلًا على هذا الانقلاب؟ إن كل إنسان يعلم أن الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين؛ ولكن كل امرأة منا تعلم أن الخط المعوج هو وحده أقرب مسافة بينها وبين الرجل.
قالت: فإذا وجدتْ إحدانا رجلًا بأخلاقه لا بأخلاقها, ردتها أخلاقه إلى المرأة التي كانت فيها من قبل، وزادتها طبيعتها الزَّهْو بهذا الرجل النادر، فتكون معه في حالة كحالة أكمل امرأة، بيد أنه كمال الحلم الذي يستيقظ وشيكًا؛ فإن الرجل الكامل يكمل بأشياء، منها وا أسفا! منها ابتعاده عنا. ثم قالت: وصاحبك هذا منذ رأيته، رأيته كالكتاب يشغَل قارئه عن معاني نفسه بمعانيه هو.
وضحكتُ أنا لهذا التشبيه، فمتى كان الكتاب عند هذه كتابًا يشغل بمعانيه؟ غير أني رأيتها قد تكلمت واحتفلت، وأحسنت وأصابت؛ فتركتها تتحدث مع الأستاذ "ح"، وغبت عنهما غيبة فكر؛ وأنا إذا فكرت انطبق علي قولهم: خَلِّ رجلًا وشأنه, فلا يتصل بي شيء مما حولي. وكان كلامها يسطع لي كالمصباح الكهربائي المتوقد، فقدّمها فكرها إلي غير ما قدمتها إلي نفسها، ورأيت لها صورتين في وقت معًا، إحداهما تعتذر من الأخرى.
وكنت قبل ذلك بساعة قد كتبت في تذكرة خواطري هذه الكلمة التي استوحيتها منها؛ لأضعها في مقالة عنها وعن أمثالها، وهي:
إذا خرجت المرأة من حدود الأسرة وشريعتها، فهل بقي منها إلا الأنثى مجردة تجريدها الحيواني المتكشف، المتعرض للقوة التي تناله أو ترغب فيه؟ وهل تعمل هذه المرأة عند ذلك إلا أعمال هذه الأنثى؟
"وما الذي استرعاها الاجتماع حينئذ فترعاه منه وتحفظه له، إلا ما استرعى أهلُ المال أهلَ السرقة! إن الليل ينطوي على آفتين: أولئك اللصوص، وهؤلاء النساء".
وكيف ترى هذه المرأة نفسها إلا مشوهة ما دامت رذائلها دائمًا وراء عينيها، وما دام بإزاء عينيها دائمًا الأمهات والمحصنات من النساء، وليس شأنها، من شأنهن؟ إن خيالها يحرز في وعيه صورتها الماضية من قبل أن تزِلّ؛ فإذا خلت إلى نفسها كانت فيها اثنتان، إحداهما تلعن الأخرى، فترى نفسها من ذلك على ما ترى.
"وهي حين تطالع مرآتها لتتبرج وتحتفل في زينتها، تنظر إلى خيالها في المرآة بأهواء الرجال لا بعيني نفسها؛ ولهذا تبالغ أشد المبالغة؛ فلا تُعنَى بأن تظهر

الصفحة 248